واقعية السلاح النووي

TT

يبدو أن حلم التخلص من الأسلحة النووية إنما هو مجرد حلم يراود الحالمين فقط. ويبدو أن ذلك هو التبرير «الواقعي» للتحرك البطيء نحو تخلص كوكبنا من الأسلحة النووية التي باتت تثقل كاهله. وعلى الرغم من الالتزامات التي قطعتها الولايات المتحدة على نفسها، إلا أن المخططين الأميركيين يبدو أنهم مقتنعون تماما بأن وجود ترسانة الأسلحة النووية إنما هو أمر طبيعي، ولذلك، فإن هناك ضرورة لتطوير الجيل الجديد من هذه الأسلحة. ومن شأن هذه القناعة أن تعمل على تثبيط عزم الدول الأخرى على التخلص من أسلحتها النووية، فضلا عن منع الدول التي ترغب في امتلاك مثل هذه الأسلحة من الحصول عليها. وذلك هو ما يعمل على إشعال الأزمة الإيرانية، وينبئ باحتمال نشوب صراعات مع الدول التي ترغب في امتلاك هذه الأسلحة. ويبدو أنه لن يحل هذه المشكلة إلا التأكيد على أن التخلص من السلاح النووي هو هدف سياسي واقعي يمكن تحقيقه حتى نتجنب حدوث أزمة مقبلة.

ففي بادئ الأمر، تم تعريف المشكلة بصورة بسيطة، حيث كانت هذه المواد الكيماوية عبارة عن «سموم». وفي بداية القرن الـ20 كان البشر يشعرون بالفعل بأنهم كما لو كانوا قد انساقوا وراء تقنيات أسلحة جديدة تجذبهم نحو الموت المحقق، حيث تكون النجاة بمثابة الخيانة العظمى. وقد أصر هؤلاء على المقاومة من خلال التركيز على معارضة «الأسلحة السامة» وقد اعتبرت هذه الأسلحة غير قانونية بموجب قانون هوغ لعام 1907.

لكن هذا المنع لم يوقف الدول التي دخلت الحرب العالمية الأولى من استخدام الغازات السامة. وقد كانت هذه الغازات السامة بمثابة كابوس على هذه الحرب. فعلى الرغم من عدم وقوع عدد كبير من القتلى (أقل من 100.000)، إلا أن الإصابات الهائلة التي لحقت بالعديد من المقاتلين (أكثر من مليون) فاقت الخيال الأوروبي في ذلك الوقت.

وربما لا تأبه الحضارة التي قامت على سفك الدماء لمعاناة هؤلاء المصابين الذين كانوا يعانون من أجل استنشاق الهواء. ولكن بعد الحرب مباشرة، تم استئناف حركة منع هذه الأسلحة الكيماوية. وفي عام 1925، اعتبرت معاهدة جنيف أن أسلحة الغازات الكيماوية مخالفة للقانون، ولكن يبدو أن الواقعيين كانوا يعلمون الكثير عن الواقع الذي نعيشه (مما يفسر تأخر تصديق مجلس الشيوخ الأميركي على هذه المعاهدة حتى عام 1975). وقد توصلت لجنة بريطانية عام 1919 إلى أن: «هذا الغاز هو سلاح شرعي في الحروب... ولم يثبت عبر التاريخ منع سلاح ناجح في الحروب».

وبمجرد ظهور الأسلحة النووية عام 1945، فإن جانبي الحرب الباردة سارعا إلى تخزين هذه الأسلحة السامة والتي تصنف الآن على أنها «كيماوية». وحاول كل من رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف التخلص من كافة الأسلحة الكيماوية. ففي جنيف وريكيافيك، عقد كل منهما العزم على التخلص من الأسلحة النووية بحلول عام 2000 – وهو الهدف الذي لم يتحقق.

وقد أظهرت الحرب العراقية الإيرانية وكذلك استخدام صدام حسين لها ضد شعبه الأعزل، إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه الأسلحة مخيفة. وفي عام 1990 قام غورباتشوف وجورج بوش بتوقيع معاهدة ثنائية لبدء تدمير مخزونات الأسلحة الكيماوية. وفي عام 1993 تمت الموافقة على المعاهدة الدولية للأسلحة الكيماوية – وهو الحلم الذي حلم به أول الأمر هوغ منذ نحو قرن من الزمان.

وقد تم تصديق معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية من قبل كل الدول تقريبا. ومع ذلك، فقد بقيت بعض المخزونات والمصانع ولكن تم تقليلها أو إغلاقها. كما يتم تدمير الأسلحة الكيماوية.

لقد تم رفض شرعية هذه الأسلحة كما تمت معارضة بقائها. وثبت خطأ هؤلاء الواقعيين الذين برروا وجود هذه الأسلحة عام 1919. فهل يحدث الأمر نفسه مع الواقعيين الذين يبررون وجود الأسلحة النووية في القرن الحادي والعشرين؟

*خدمة «نيويورك تايمز»