ليس للقاعدة قاعدة

TT

منذ أن وصلت سكين الإرهاب الدنيئة إلى العظم السعودي (وزارة الداخلية) في جريمة محاولة تفجيرها، مرورا باستهداف الإرهابيين للمنشآت النفطية الحيوية، ثم أخيرا الإعلان الأسبوع الماضي عن القبض على الخمسمائة إرهابي من الذين يخططون لكسر ظهر البلاد اقتصاديا تمهيدا لابتلاعها آيديولوجيا، حينها زال الغبش عن القاعدة وأصبحوا مفلسين في الشارع السعودي ولم تعد تنطلي ترقيعات بن لادن وزميله الظواهري وشعاراته في محاربة الغرب الصليبي في إخفاء الوجه الحقيقي لهذه القاعدة البلوى التي شوهت صورة الإسلام وأعاقت العمل الدعوي عشرات السنين.

لقد أدرك السعوديون بمن فيهم العلماء والمفكرون والمهتمون بالشأن الدعوي أن كل الوطن وكل المواطنين مستهدفون مباشرة او غير مباشرة بهذا الإرهاب المتخبط، كما أدركوا يقينا أن أمن السرب وسلامة العرض وعافية البدن وقوت اليوم ومكتسبات الوطن كل ذلك أضحى مهددا من قبل هؤلاء السفهاء الموتورين، فاستوعبوا الحدث وأحسنوا قراءته، وليس كبر عدد المعتقلين الإرهابيين الذين اقتنصتهم مؤخرا قوات الأمن بكفاءة بالضرورة دليلا على كثرة المتعاطفين مع القاعدة في السعودية، ومن هنا جاءت بعض القراءات الخاطئة لحوادث الإرهاب ومنها الكشف الأخير لمخططات الإرهابيين.

إن من الخطأ الإصرار على إسقاط مشكلة الإرهاب في كل مرة تندلع نيرانه أو يكشف عن أوكاره أو تفضح مخططاته على مناهج التعليم والمعلمين والمراكز الصيفية والجامعات الإسلامية وبعض الأسماء المعروفة وغير المعروفة من الدعاة، إذ أن التشكيك في أي من مؤسساتنا الوطنية أو كوادرنا المؤهلة وممارسة الإرهاب ضدهم باسم مقاومة الإرهاب، هو الذي يهيئ مناخا ملائما للتطرف والتشدد المؤديان بالضرورة إلى الإرهاب.

هذا النوع من التشكيك يتعارض تماما مع الحاجة الماسة هذه الأيام إلى رص الصفوف، كل الصفوف في الحرب على الإرهاب، والتجاوز عن هنات وهفوات الماضي وزلاته والتأكيد على وحدة الجبهة الداخلية، إن الأغلبية الساحقة من المعنيين بالشأن الدعوي يرون أن محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه ليس أولوية وطنية فحسب بل يعتبرونه أيضا ديانة ملزمين بها ومأجورين عليها وآثمين في التفريط فيها، ثم يأتي بعد ذلك من يحشرهم في زمرة الإرهابيين أو في أحسن الأحوال يجعلهم مشكوكا فيهم وفي تصرفاتهم، ولا يقبل منهم بعد ذلك صرفا ولا عدلا مهما حرموا وجرموا .. أو شجبوا وأستنكروا .. أو وضحوا وبينوا، فسيظلون حسب هذه المقاييس الجائرة إرهابيين بالأصالة.

إن الخطورة في حشر مناهج التعليم والمعلمين والمراكز الصيفية والجامعات الإسلامية والمعاهد الدينية والدعاة في موضوع الإرهاب ليس في التهمة ظلما فحسب، ولكن الخطورة أيضا في تضليل أهل الاختصاص عن تلمس الأسباب الحقيقية لتورط بعض الشباب السعودي في الانتماء لهذا الفكر المنحرف، والخطورة أيضا تكمن في أن عدم السماح لأنشطتهم التثقيفية والتربوية مثل حلقات تحفيظ القرآن والمراكز الصيفية قد يجعل بعض هؤلاء الشباب يمارس نشاطه في جنح الظلام وفي الأماكن المعزولة حيث المناخ الخصب للتطرف، بعد أن كان يمارس نشاطه الصيفي في وضح النهار وتحت أشعة الشمس الصيفية الساطعة وتحت إشراف مؤسسات الدولة وتوجيهها وتسديدها، والأمر الآخر أن شريحة الدعاة خاصة العلماء والمفكرين منهم هي الأقدر على معرفة اللغة المقنعة التي تساعد في ردع هؤلاء الشباب المنحرف، وهي الأكفأ على المساهمة مع الدولة في تحصين عامة الشباب المتدين الذين يستهدفهم هؤلاء الإرهابيون للتأثير عليهم وتجنيدهم.

إن حديد الإرهاب والتطرف لا يفله إلا فولاذ الوسطية والاعتدال، وإن الساحة الدعوية في المملكة تزخر وتفخر بالمعتدلين والقادرين من العلماء والدعاة والمفكرين على مواجهة الإرهاب فكريا ومنهجيا، وقد فعلوا، والمطلوب أن ندنيهم ونحتوي مؤسساتهم الدعوية ومناشطهم الصيفية ونوجهها ونطورها، ونشجعهم على تعرية الإرهاب ولا نخذلهم، ونضع فيهم كامل الثقة ولا نشكك في وطنيتهم وإخلاصهم.

ورد في الأثر «لا تكن عونا للشيطان على أخيك»، ونحن نقول لا تكونوا عونا لشياطين الإرهابيين على إخوانكم الإسلاميين.

[email protected]