طبول الحرب

TT

هل تملك سوق النفط معلومات معينة تدفعها إلى هذا الارتفاع الكبير في أسعار النفط رغم تطمينات الدول المنتجة للخام وتأكيداتها بوجود توازن بين العرض والطلب، وأنه لا توجد عوامل أساسية في السوق تؤدي إلى هذا الصعود المتواصل لسعر البرميل.

المعروف أن جزءا من عوامل ارتفاع السعر في الأشهر الأخيرة هو الأزمة المتعلقة بملف إيران النووي والمخاوف من أن تنتهي بعمل عسكري يؤثر على استقرار السوق وإمدادات النفط التي يمر جزء كبير منها عبر الخليج.

وقبل أسابيع بدأ المشهد على صعيد هذا الملف أقرب إلى تفضيل الحل الدبلوماسي أو حتى أساليب الضغوط والخيارات غير العسكرية لنزع فتيل الأزمة خاصة عندما قدمت دول الـ«5+ واحد» التي تمثل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، أي القوى الخمس النووية المعترف بها، والمانيا عرض الحوافز على طهران والذي وصفته بأنه سخي مقابل تعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم التي تمكنها من صناعة الأسلحة النووية. وأن كان ذلك صحبه بعد فترة قصيرة عقوبات جديدة على مصرف إيراني ومسؤولين كإشارة واضحة بأن الحوافز تقابلها عقوبات في حالة عدم الاستجابة.

كانت كل التصريحات خلال فترات الصعود والهبوط في حرارة هذه الأزمة تؤكد دائما على الطريق الدبلوماسي بما في ذلك واشنطن وأن كان هذا عادة ما كان يرفق بعدم استبعاد أي خيارات وذلك في إشارة إلى أن هناك خيارات أخرى قد تكون عسكرية.

وفجأة خلال الأسبوعين الأخيرين اشتدت حدة التصريحات خاصة بعد تسريب مسؤولين أميركيين أنباء المناورات الجوية التي أجرتها إسرائيل قرب جزيرة كريت والتي فسرت بانها استعدادات لشيء ما عسكري، ورافقتها تصريحات وعشرات التقارير عن احتمالات توجيه ضربة عسكرية، وردت طهران بتصريحات نارية لمسؤولين فيها تحذر من العواقب، وتؤكد قدرتها على الرد وحفر القبور للأعداء واعتراض شحنات النفط عبر الخليج إلى آخره، كل هذا ولم تقدم طهران ردا واضحا رسميا على عرض الحوافز حتى الآن. فهل قرع طبول الحرب مجرد ضجيج عال أو تصعيد لتحسين المواقف التفاوضية قبل الوصول إلى تسوية أم أن هناك خطرا حقيقيا بحدوث هذا الاحتمال الذي يعد مرعبا للمنطقة.

المؤكد أنه لا يوجد أحد في المنطقة يريد أن يشهد نزاعا عسكريا جديدا بعد كل الأهوال والمشاكل والتعقيدات التي حدثت في السنوات الأخيرة ووسعت بؤر الأزمات التي تستنزف المنطقة، خاصة أن احتمال نزاع عسكري من هذا النوع لا أحد يعرف أين سيقف أو ما هي سقف احتمالاته. والمؤكد أيضا أنه حتى طرفي المواجهة في هذا الملف وهما طهران والغرب لا يريدان مواجهة مكشوفة بهذا الشكل نظرا لأخطارها، وهذا ما يفسر العروض المُحسنة والمطورة العديدة التي قدمت، والسياسة الإيرانية التي أخذت منعطفات عديدة في المفاوضات حول هذا الملف خلال سنوات التفاوض وتعليق ثم استئناف التخصيب.

والمشكلة كما يبدو في جانب منها أن هذا الملف تحركه في بعض الأحيان صراعات داخلية بين تيارات سياسية كما يبدو الأمر في بعض الأحيان في إيران أو هكذا تعطي بعض التطورات هناك إشارات بذلك، فلهجة الحرس الثوري مختلفة عن تصريحات دبلوماسيين، وتغييرات المفاوضين النوويين التي حدثت في الماضي والوصول إلى حد توجيه اتهامات لأحد منهم يعطي انطباعا بصراع داخلي، وهذه الأشياء تجعل الأقدام تنزلق في أحيان إلى مواجهات لم تكن مرغوبة أو محسوبة.

وهذا ما يجب العمل به للحيلولة من دون الوصول إليه في ضوء حجم المخاطر التي يمكن أن تحدث إذا انفجرت ثم انفجرت حرب، وقد تكون روسيا هي أقدر الأطراف باعتبارها هي التي تبني لإيران منشآتها وتساعدها تقنيا على ممارسة نفوذ أو حتى ضغوط لتسهيل الوصول إلى حل مقبول ينزع الفتيل. وهناك نموذج كوريا الشمالية التي لعبت الصين دورا حيويا معها من أجل الوصول إلى الخطوات التي شاهدناها في الأيام الماضية.