«وول ستريت» في حالة يرثى لها ولا أحد يأبه بمدينة نيويورك

TT

لم يتعرض وول ستريت لمثل هذه الأزمة الراهنة منذ الأزمة الكبرى. وقد اقتيد مديران سابقان لصندوق تحوط خاص بإحدى الشركات المنهارة، وهي «بير ستيرنز» للمحكمة الفيدرالية في بروكلين لمواجهة تهم تتعلق بالفساد. ويتعرض سيتي بنك للعديد من الأزمات، كما أن شركة ليمان براذرز تعاني من الكثير كذلك. وتتسارع وتيرة تسريح العمال في «وول ستريت». أما بالنسبة لهؤلاء المحظوظين الذين ما يزالون يحتفظون بوظائفهم فسوف يعانون من خسائر كبيرة في الحوافز التي سيحصلون عليها في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل. وإذا صح القول المأثور: «مثلما يذهب وول ستريت، تذهب مانهاتن» فإن علينا أن نفكر بشأن المطاعم وتجار السيارات والمعارض الفنية، وغير ذلك من الأعمال الأخرى التي يمكن أن تتأثر.

لكن مانهاتن يمكن أن تواجه مثل هذه الأوضاع. نعم، هناك بعض نقاط الضعف. فمبيعات الشقق التي يبلغ ثمنها الملايين قد تباطأت (على الرغم من استمرار مبيعات الشقق التي يبلغ ثمنها عشرات الملايين). وقد جنى مزاد مؤسسة روبين هود، حيث يحضر مشاهير «وول ستريت» نحو 56.5 مليون دولار، بانخفاض عن العام السابق الذي حقق 71 مليون دولار. وهذا هو بيت القصيد. فقد انخفض كل شيء هنا. ولكن لماذا؟ لأنه يبدو أنه هناك عدوى في هواء هذه الجزيرة هنا. فأي شيء ينخفض، يجذب كل شيء معه إلى هاوية الانخفاض.

والسبب في ازدهار الاقتصاد في مانهاتن على الرغم من صعوبة الأوضاع بالنسبة لبقية البلاد، له شقان. فكما هي العادة في نيويورك، فإن الأمر يتعلق بالدولارات أو باليورو في الوقت الحاضر. ويمكنك الاطلاع على وسط المدينة وسوف تشاهد الزحام الرهيب من البشر ممن يحملون حقائب الشراء. وسوف تعرف كذلك أن معظم هؤلاء المشترين، يأتون من خارج الولايات المتحدة. فقد تحول أشهر شارع تجاري في نيويورك إلى محل أوروبي كبير للشراء.

وفي وقت قريب، طلبت من موظف المبيعات في محل ان بي ايه إخباري عن نسبة العملاء الأجانب لديه، فقال: «أعتقد أنها تبلغ نحو الثلثين إلى الثلاثة أرباع. وسوف نموت من دونهم». ومن المثير كذلك أن بعض المحلات الصغيرة تقبل التعامل باليورو.

وقد استفاد الأوروبيون بنسبة كبيرة من انخفاض سعر الدولار في السنوات القليلة الماضية. فهم يأتون إلى هنا بصورة أساسية لتوفير نسبة 40 في المائة من عملتهم عن طريق الشراء من محلات نيويورك. وهم يأكلون في محلاتنا ويستأجرون سيارات الأجرة الخاصة بنا. وقد قابلت العديد من سائقي سيارات الأجرة في لندن ممن أخبروني بأنهم يحبون قضاء الإجازات هنا حاليا. وقد استفاد قطاع العقارات في نيويورك من تدفق الأجانب كذلك. فنسبة 1 في المائة من أثرياء العالم في كل بلد ترغب دائما في الحصول على شقة في مانهاتن. ولكن الآن، ومع ضعف الدولار، فإن هذه النسبة ربما تكون قد ارتفعت لتصل إلى 2 في المائة من أثرياء كل بلد.

وننتقل الآن إلى السبب الثاني، الذي يجعل من مانهاتن ولاية مقاومة للركود الاقتصادي: إنه الطلب المحلي. فكيف نشهد هذه المذبحة الاقتصادية في «وول ستريت» من دون أن يهبط اقتصاد مانهاتن من فوق تل عال فيمزق إلى أشلاء؟ إن الجواب عن ذلك بسيط: لقد كان هناك الكثير من الربح في «وول ستريت» خلال العقدين ونصف الماضيين لدرجة أن الأموال المتدفقة يمكن أن تدعم الاقتصاد وتقاوم الهزات الاقتصادية.

فـ«وول ستريت» على أية حال يعتبر حالة فريدة. فالصناعة هناك لا تتعلق بعمل الأحذية أو البرامج أو السيليكون على سبيل المثال، وإنما الصناعة تتعلق هناك بجني المال فقط.

ومن شأن ذلك أن يجلب رؤوس الأموال. فالأفراد هناك لا يرغبون في جني بعض المال ثم يتقاعدون. ولكنهم يرغبون هناك في أن يصبحوا من أكبر الأثرياء. فكيف عرفت ذلك إذا؟ لأن العديد من الأفراد الذين التقيت بهم هناك كان من الممكن لهم أن يتقاعدوا منذ فترة طويلة. لكن هناك شيئا ما يدفعهم إلى جني المزيد والمزيد من الأموال. ومع أن عملهم مضن ومع أن المنافسة محتدمة دائما، إلا أن العائد يمكن أن يكون رهيبا. فمن الصعب بالنسبة لمعظمنا أن نتخيل أنفسنا نعمل 12 ساعة كل يوم رغم أن لدينا 75 مليون دولار مثلا في البنك، ولكن هناك من يفعل ذلك تماما.

ومن هؤلاء جوزيف غريغوري، الذي يبلغ من العمر 56 عاما وهو رئيس سابق ومسؤول عمليات في شركة ليمان بروذرز، وقد أقيل في 12 من يونيو (حزيران) الحالي بعد تهاوي أسعار أسهم الشركة واحتمال انهيارها. وربما لا تكون قد سمعت عن هذا الشخص من قبل (وفي حقيقة الأمر لم أعرف عنه شيئا قبل أن أقرأ الأخبار عن شركة ليمان). لقد عمل غريغوري في ليمان منذ عام 1974 وقد شق طريقه في مراكز الشركة حتى وصل إلى رقم 2 فيها. وبالإضافة إلى راتبه الضخم ـ بلغ ما حصل عليه في العام الماضي نحو 34 مليون دولار ـ فإن غريغوري استطاع شراء حصة كبيرة من أسهم الشركة. وخلال الأشهر الـ18 الأخيرة، رأى أنه من المناسب بيع عدد كبير من هذه الأسهم ـ بلغت نحو 52.1 مليون دولار. ومع ذلك، فإنه ما يزال يمتلك عددا كبيرا من أسهم الشركة، وبالإضافة إلى ذلك، فإنه كان يحصل على العديد من المزايا والمكافآت.

وما أقصده هو أنه على الرغم من معاناة شركة ليمان براذرز في الوقت الحالي، إلا أن غريغوري استطاع جمع ثروة طائلة. والأهم من ذلك: هو أن هناك العديد والعديد من أمثال غريغوري هنا في مانهاتن.

وفي إحدى المرات أخبرت أحد الأشخاص، ممن يديرون أحد صناديق التحوط الكبيرة، أنه إذا كسبت ما يكسبه في عام واحد ـ حوالي 30 مليون دولار ـ فإنني سوف أتقاعد من العمل. فرد علي بقوله: «ولهذا السبب فإنك لن تكسب 30 مليون دولار أبدا».

والآن، فإنني لا أقول إن الاقتصاد لن ينهار من فوق التل هنا في نيويورك. ولكن ربما يحدث ذلك. ولكن مثلما كانت الحال وقت الأزمة الكبرى، فإن هناك طبقة من سكان المدينة ربما يستطيعون التغلب عليها. واليوم، فربما يكون سائقو سيارات الأجرة في لندن، من بين أفراد هذه الطبقة.

خدمة «واشنطن بوست» ـ

(خاص بـ«الشرق الأوسط»)