بطل الخطوة المتأخرة!

TT

ما الذي يعيق الحل في لبنان؟ سؤال قد يجد له البعض أجوبة متعددة بتعدد مراكز النفوذ الإقليمية والدولية، من طهران ودمشق وصولا إلى واشنطن، وقد يجد البعض الآخر في التركيبة الطائفية وتشتت ميزان المصالح السياسية للقوى الداخلية المتناحرة حول النظام وفيه، أجوبةً شافيةً. لكن مسألة من نوع خاص عادت لتطرح أمام اللبنانيين بقوة، وبات الموالون والمعارضون يجمعون في جلساتهم الخاصة عليها ويسمونها تندراً «عقدة عون»، هذه العقدة التي أكدها ميشال عون بلسانه عندما قال أمام الإعلام بتهكّم مفعم بالدلالات «أنا شغلتي التعطيل». ولكن ما هي حقيقة «عقدة عون» وما قصته مع التعطيل؟ يمكن اختصار الإجابة بقضية محورية وهي أن عون رجل «الخطوة المتأخرة» بامتياز. فلو عدنا الى التسعينات من القرن المنصرم للاحظنا ان الجنرال السابق ميشال عون أعلن حربا شعواء على سوريا، كانت معظم مبرراتها وشعاراتها أكثر من محقة وتعاون في حربه مع العراق متأملا أن ينهيها متربعا على رأس الجمهورية اللبنانية، لكنه دخل تلك الحرب متأخرا خطوة عن العالم الذي كان حسم أمره بإطاحة صدام وتلزيم سوريا لبنان بقرار أميركي فخسر الجنرال ـ المهزوم في الحرب ـ الرئاسة ليفوز بمنفى باريسي.

بعد طول إقامة في منفاه عاد عون إلى لبنان عقب الخروج السوري ليتقاطع ويتحالف مع كل حلفاء سوريا مراهنا على تحالفاته الجديدة لبلوغ الرئاسة، لكن الجنرال السابق كان مجددا متأخرا خطوة عن العالم الذي حسم أمره بكف يد النظام السوري في لبنان، فطارت الرئاسة مجددا من مطار الدوحة ليحط عون في بيروت حاملا معه خيبة لمؤيديه وحقوقا مسيحية ـ كانت بحكم المحققة ـ واسى بها نفسه وجمهوره.

حتى في تفاصيل مؤتمر الدوحة كان عون على موعد مع الخطوة المتأخرة، فبينما انعقد إجماع إقليمي دولي وداخلي على انتخاب الرئيس ميشال سليمان كان الخبز اليومي للعماد عون في أروقة شيراتون الدوحة طرحه للحكومة الانتقالية التي ظل على أمل الفوز بها إلى أن اصطدم بذلك «الاتصال الفجري» الصاعق الذي أجراه الوزير منوشهر متكي معلنا نهاية حلم الحكومة الانتقالية وبداية كابوس «سليمان الرئيس».

كان طريق العودة من الدوحة إلى انتخاب سليمان أقصر من أي رحلة للجنرال السابق، عاد ليصطدم بقرار أكثري أعاد السنيورة إلى رئاسة الوزارة من جديد. وبعدما تيقن حلفاء عون أن ما كتب قد كتب ولا مجال للتراجع أو الرجوع ساروا في الركب. وبينما كان الجميع منشغلا بالحقائب والحصص والتوزيع الطائفي مجمعين على أن اتفاق الدوحة استكمال لاتفاق الطائف، ضرب عون موعدا جديدا مع الخطوة المتأخرة وسأل لماذا السنيورة ولماذا لا تتقلّص صلاحيات رئيس الحكومة؟ فاصطدم هذه المرة بالعالم والطائف وبحلفائه في آن معا، فصمت من صمت منهم وخرج الآخرون عن صمتهم بعدما أخرجهم عن طورهم.. وبعدها سكت عون عن الكلام غير المباح.

قد يكون الجنرال، الذي قال يوماً: «يمكن للعالم أن يسحقني لكن لن يأخذ توقيعي»، رجلاً من عصر غابر، أو رمزاً في التصدي ومواجهة قرارات العالم كل العالم، وقد يكون عنيداً من نوع أسطوري، وهو ما قد يحوّل «عقدة عون» إلى أسطورة جديدة تدخل علم السياسة والتاريخ تماما كما ادخل فرويد أسطورة أوديب الى علم النفس التحليلي لفهم أمراضه.

خلف هذا المشهد كله ربما تصمد حقيقة يتيمة وهي أن الجنرال السابق سيبقى متأخرا خطوة عن العالم، فتحصد مشاريعه الفشل ويكون مصير مؤيديه الخيبة المتكررة.

* كاتب لبناني