مانديلا

TT

احتفلت بعض دول العالم في الأيام الماضية بمناسبة عيد ميلاد القائد الافريقي العالمي الفذ نيلسون مانديلا وبلوغه التسعين عاما. وشارك في هذه المناسبة العديد من رموز السياسة الدولية وأيقونات الفن والرياضة والإعلام. ونيلسون مانديلا الذي تحول بمرور الأيام من سجين سياسي معارض الى حاكم وموحد لبلاده، ثم الى داعم للاستقرار وحاليا هو يلعب كضمير حاضر وغائب للاسرة الدولية وزعيم لحكمائها بامتياز شديد. ونيلسون مانديلا ظاهرة استثنائية لم يعرف العالم قيمتها لليوم (بمعناها الحقيقي)، رجل قضى 29 سنة من أهم سنين عمره في زنزانة منفردا منعزلا في شبه جزيزة تتلاطم على جدرانها أمواج المحيط، ومع ذلك ظل هو رمز النضال وزلزل نظام «الأبارتايد» العنصري البغيض في جنوب أفريقيا حتى خرج من السجن مرفوع الرأس ليحكم بلاده، وقام بتلقين العالم درسا لا مثيل له في مفهوم عملي للتسامح والعفو عند المقدرة والتعايش الوطني السلمي الحقيقي، وتطبيق جاد وسوي لمفهوم السوية الاجتماعية. ورفع بفعله هذا سقف الممكن والمتوقع والمفروض في عالمي السياسة والاجتماع. استلقي على ظهري من الضحك حين اسمع البعض يتحدث عن «كاريزما» صدام حسين وجمال عبد الناصر وغيرهما ممن هم على شاكلتهم فأعلق عليهم وأقول لهم: اعطوني مخابرات من النوع الذي كان عندهم وأنا اعطيكم أحسن كاريزما في العالم. كان لدى نيلسون مانديلا الفرصة والامكانية (وكثيرون يعتقدون أنه كان لديه الحق أيضا) في أن يخرج من زنزانته وينتقم من اعدائه السابقين شر انتقام ويمارس في حقهم أبشع أنواع التعذيب، ولكنه أدرك أن هذا هو حل الضعفاء، وأن الحل الأصعب ولكنه الحل الأمثل هو الترفع والعمل على الضم لا التفريق، وهذه الصفحات البيضاء في تاريخ الانسان ممكن أن يتمعن فيها جيدا قادة العراق وساسته وكذلك قادة لبنان وساسته، فهم أمام مثال شديد الوضوح لما يمكن عمله فعليا ومن نموذج معاصر لا يزال حيا بيننا. العراق ولبنان وقعا أسرى لاضغان وحقد ومآس دينية وطائفية وعرقية ومذهبية لن يكتب لها حل حتى قيام الساعة ونهاية الزمان. وكل من يعتقد أنه «عنتر» زمانه وأنه لديه الخلطة السياسية السرية التي ستجعل الشعب «يأكل أصابعه وراءها» حينما تعرض عليه ويتعايش معها بشكل فعلي، ولكن هذه الاطروحة التي تحولت بمثابة فيلم هندي ممل وسخيف تتكرر بشكل هيستيري في كل مرحلة وفي كل جيل وفي كل قرن ولا يتعلمون من الأخطاء ولا يتعظون من دروس التاريخ الواضحة.

نيلسون مانديلا شخصية انسانية خارقة وسيرته تبرز بشكل جمالي قدرات العطاء البشري وإمكانيات خلق الفروسية فيها، والعالم المتحضر يدرك جيدا ويحتفل بهذه الهامة الأخلاقية العملاقة في زمان اضمحلت فيه القيادات الكبرى، وكل ما عليكم مشاهدته هو شخصيات مثل جورج بوش وتوني بلير وبيرلسكوني وكيم ايل سونج وموجابي لتدركوا قيمة شخصية هائلة بحجم الفذ نيلسون مانديلا .. ولكن من يتعظ ويتعلم؟

[email protected]