ماذا سوف يفعل أوباما؟!

TT

سألت صديقي الأمريكي من أصول عربية ماذا سوف يفعل أوباما في الشرق الأوسط إذا ما فاز في الانتخابات الأمريكية؟ كان سؤالي راجعا إلى أن الرجل من الأمريكيين الضالعين في معسكر أوباما منذ بدأ رحلته نحو الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي؛ وهو واحد من هؤلاء الذين يسمون بالمندوبين المميزين في مؤتمر الحزب والذين عليهم تقرير البرنامج الانتخابي للمرشح؛ وفوق ذلك أنه كان هو الرجل الذي قال لي منذ وقت طويل وفي مستهل مرحلة الانتخابات التمهيدية، وكانت كل الرهانات جارية على هيلاري كلينتون، أن أوباما لن يفوز فقط بترشيح الحزب الديمقراطي ولكنه سوف يكون الرئيس الأمريكي القادم إلى البيت الأبيض. هذه المرة كان السؤال مشروعا بأكثر من أي وقت مضي، فقد صدقت النبوءة الأولى وأصبحت الثانية ممكنة.

وعندما سألت السؤال حول ما يستطيع أوباما فعله كان في الذهن عدد من النماذج للرؤساء الأمريكيين الذين عرفناهم خلال العقود القليلة الماضية، فقد عرفنا الرؤساء البرجماتيين الذين ينظرون إلى منطقتنا من منطلقات كونية تجعلها جزءا من حركة وسياسة الولايات المتحدة على مستوى العالم. ومن أمثلتهم كان ريتشارد نيكسون الذي جعل سياسته الشرق أوسطية جزءا من سياسته الخاصة بالحرب الباردة والانتصار على السوفيت في النصف الأول من السبعينيات خاصة بعد أن أصبحت أمريكا مهزومة في الحرب الفيتنامية. وهكذا كانت سياسته في أعقاب حرب أكتوبر 1973 أن يغرس واشنطن إلى داخل المنطقة في واحدة من أهم تحولاتها الكبرى حيث كانت بداية الأفول للمعسكر الاشتراكي وبداية الهيمنة للجماعة الرأسمالية. وعلى نفس المنوال كان جورج بوش الأب الذي وجد نفسه على أبواب الشرق الأوسط في اللحظة التي انتهت فيها الحرب الباردة وانهار سور برلين، وحدث الانتصار الذي طرد صدام حسين من الكويت؛ ومن ثم كان مؤتمر مدريد وفي أعقابه عملية كبيرة لتسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي امتدت إلى معظم العقد الأخير من القرن العشرين.

وعلى يسار هؤلاء البرجماتيين كان يوجد نموذج آخر مثله جيمي كارتر وبيل كلينتون كان يرى أن الشرق الأوسط يستحق تغيير مساره التاريخي الدامي لأنه بحكم تاريخه في تقاطع الجغرافيا العالمية كمولد للحضارات، والمصالح العظمى للدول الكبرى، سوف يغير مسار الإنسانية كلها. وفي أحلام هذا وذاك، كانت توجد تلك الصورة لمكان في التاريخ لصناعة سلام في أرض الأديان الكبرى وقدس أقداسها في أورشليم القدس. وبشكل ما اقترب كارتر من الهدف عندما عقد السلام المصري الإسرائيلي، ولكن الثورة الإيرانية لم تمهله لكي يسير أكثر من ذلك حتى ولو حصل بعد ذلك على جائزة نوبل للسلام. أما كلينتون فقد حاول، وعقد سلاما بين إسرائيل والأردن، ولكن المحاولة ضلت مسارها الفلسطيني والسوري بعد ذلك حتى تم إعدامها بعد فشل مؤتمر كامب دافيد مع نشوب الانتفاضة الثانية.

وعلى يمين البرجماتيين كان يوجد أيضا من يريدون تغيير الشرق الأوسط ولكن بإخضاعه لما تراه أمريكا من رؤى عالمية وإقليمية صممها محافظون جدد. وحدث ذلك مع رونالد ريجان في ثمانينيات القرن الماضي، ومع جورج بوش الابن مع مطلع القرن الواحد والعشرين. وبينما تسببت سياسة الأول في تبني كل السياسات الإسرائيلية التي قامت بغزو لبنان في مايو 1982، وما واكبها من توقف كل محاولات التسوية في الشرق الأوسط؛ فإن الثاني كان هو الذي استخدم القوة العسكرية في محاولة فاشلة لتغيير المنطقة وقلب نظمها السياسية عندما قام بغزو العراق قبلها أفغانستان. وفي كلا الحالتين كان الشرق الأوسط ينتهي إلى أوضاع مأساوية، ويكون منها للولايات المتحدة نصيب وحظ كبير.

وهكذا كان السؤال لصاحبنا مشروعا تماما، وكانت إجابته أن أوباما سوف يكون أقرب إلى كارتر ولكن مع حساب تغير الظروف والأزمنة. فالرجل سوف يصل إلى السلطة وقد وقعت أمريكا في عدد من «الحفر» التاريخية الكبرى كان أولها ما جرى في الحادي عشر من سبتمبر 2001 والذي جعل رؤية واشنطن للعالم مشوهة تماما وتحتاج إلى إعادة فحص وترتيب. وثانيها العراق ـ ومعه أفغانستان ـ حيث لا يوجد في المدى المرئي خلاص لا تستطيع السياسة الحالية تحقيقه. وثالثها نتائج ما جرى في إعصار كاترينا الذي كشف عن حالة من العجز النظامي والبنائي في الولايات المتحدة. ورابعها التراجع الاقتصادي لأمريكا الذي نتج عن كل ما سبق ولم يعد في استطاعة الأمريكيين تحمل المزيد منه.

ومن بين هذه «الحفر» الأربع فإن العراق أهمها على الإطلاق، وربما يكون هو المفتاح الذي يعيد رؤية الحادي عشر من سبتمبر إلى صوابها، ويقلل من الإنفاق العسكري الأمريكي الذي هو المقدمة الطبيعية لإصلاح الاقتصاد والبنية النظامية الأمريكية كلها. ونقطة البداية في بغداد أن تكف الولايات المتحدة عن الحفر في «الحفرة» من خلال وقف الأوهام حول «التصعيد» وتطبيق إستراتيجية أخرى للخروج من العراق تقوم على ما جاء في تقرير بيكر ـ هاملتون حيث تشغل التسوية للصراع العربي ـ الإسرائيلي جزءا هاما من محيط حل الخروج من العراق. وفي مثل هذا الحل فإن أفضل الطرق لكي تكون قريبا من إسرائيل هو أن تمنحها سلاما وتسوية تعطيها مكانا في المنطقة، أو هكذا يظن أوباما.

وعندما سألت عما إذا كان أوباما يستطيع أن يفعلها، كانت الإجابة أنه يستطيع، وتشهد له في ذلك مهارة غير عادية في إدارة الحملة الانتخابية في مواجهة خصوم أكثر تجربة وخبرة، وفي قدرته على جذب أمريكا جديدة تماما إلى ساحة العمل العام والانتخابات. والرجل، والكلام لا يزال قائما لصاحبنا الأمريكي من أصول عربية، يتمتع بالشخصية والعلم (شهادة القانون العليا من جامعة هارفارد) التي تؤهله لتحليل المشكلات والتعامل معها من خلال مقتربات خلاقة تؤهله لها خلفية متعددة الأعراق. وساعتها سألت عما إذا كان هذا التحليل مثاليا أكثر من اللازم، ويبدو أقرب إلى الأحلام من كونه جزءا من السياسة العملية. وكانت الإجابة ان كل هذا السيناريو مهدد بحدوث ما هو غير متوقع، وفي السياسة هناك مجال كبير لما هو في غير الحسبان مثل أن يتكشف عن أوباما أمورا لا يهضمها الرأي العام الأمريكي خاصة بعد أن يوضع تحت مجهر لم يتعرض له حتى الآن. ولكن الأخطر على أوباما أن تحدث كارثة كبرى في شكل حدث إرهابي بشع يعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مرة إلى مقدمة الأحداث الأمريكية ويجعل قضية الأمن القومي والحرب على الإرهاب تتفوق على كل ما عداها من قضايا. وفي هذه الحالة سوف يجد اليمين الأمريكي، وفي المقدمة منه جون ماكين، أن مقولاته حول العالم والشرق الأوسط صحيحة حتى تحتاج الولايات المتحدة لفترة ولاية ثالثة لسياسات جورج بوش يحاول فيها المحافظون الجدد تحقيق ما فشلوا في تحقيقه خلال الفترتين الأولى والثانية ولكن باسم ماكين هذه المرة.

وعندما اقترب الحديث من النهاية قلت للأمريكي الديمقراطي من أصول عربية، تعرف أنه في منطقتنا يستنشق الناس فكر المؤامرة، وهناك من يعتقدون أن أوباما لن يصل أبدا إلى البيت الأبيض، وأن العنصرية الأمريكية سوف تقوم باغتياله قبل الفوز بمقعد الرئاسة. وللحق فقد تصورت أن الرجل سوف يستبعد الاحتمال فورا على أساس أن أمريكا قد شبت عن الطوق، ونجحت في امتحان تجاوز العنصرية عندما أعطت أوباما فوزا يستحقه، ولكن صاحبنا أجاب بأن الخوف من الاغتيال حقيقي، أو على الأقل هذا هو ما تعتقده الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة إلى الدرجة التي جعلت أوباما خاضعا لحراسة لا تختلف عن تلك التي يخضع لها جورج بوش نفسه. وكانت المفاجأة من الإجابة قوية إلى الدرجة التي لم تعد هناك أسئلة أخرى؛ ومع ذلك بقي تأمل حركة المجتمعات وهي تصارع كوابيسها المظلمة وتحاول الانتصار على أسوأ ما فيها. ولكن ذلك يحدث في الولايات المتحدة، ولا أدري عما إذا كان ممكنا حدوثه في بلادنا أيضا حيث الاختبار الانساني واحد وشامل لأفكار المساواة والمواطنة؟!.