تجربة: ولو أسبوع واحد!

TT

هناك فرق بين البيت والمسكن.. فالمسكن هو البيت دون أن يكون فيه شيء مريح أو شيء جميل.. إنه مجموعة جدران ونوافذ وأبواب تستطيع أن تخلع ملابسك وراءها وأن تأكل خبزاً وملحاً دون أن يراك أحد..

وهناك فارق بين الكائن والموجود.. فالشجرة والكلب والذئب كائنات تتغذى وتكبر وتموت بالغريزة، دون أن تكون لها قدرات على الإبداع تجعلها تثور على أسلوب حياتها وتعمل ما هو أفضل، أما «الموجود» فهو الإنسان وحده، لأنه قادر على أن يغير نفسه وأن يعمل ما هو أفضل وأنفع وأجمل..

والفرق بين سكان المدن وسكان الريف أن هناك مسافات كبيرة بين أهل الريف.. وأن الهواء النقي يمشي بينهم جميعاً، وأن الشمس إذا طلعت أضاءت وجوههم وإذا غربت جللت بالذهب عيونهم، ولكن أهل المدن لا يرون الشمس إلا لحظات ومن خلال تراب الشوارع ودخان المصانع وسحب الزبالة والمواد الكيماوية.. فهم لا يرون الشمس صاحية أو نائمة بل لا ينتظرون إلى السماء.. فهم متلاصقون في المصاعد والسيارات والقطارات وينطلقون وعيونهم على الأرض حتى لا تدوسهم العجلات ثم يتساقطون على مكاتبهم يقلبون الورق ويتقلبون عليه حتى النوم.. أو حتى الموت!

ولذلك يصاب سكان المدن بكل أمراض الحضارة: الاضطرابات المعدية والمعوية.. وأوجاع القلب والمخ والسكر والضغط الطالع والنازل وتسوس الأسنان وآلام المفاصل وتقصر أعمارهم!

وإذا نظرت إلى المساكن التي يعيش فيها أبناء المدن لوجدت فيها شبهاً كبيراً بالقطارات والأتوبيسات والأضرحة أيضاً، فالمساكن متشابهة الواجهات صفيقة والمنافذ ضيقة.

والمداخل باردة كأنها مداخل المتاحف.. فأهل المدن ليس عندهم وقت لتذوق شيء، لا وقت عندهم للوقوف والاستمتاع بما يأكلون أو يشربون!

وابن المدينة لا يريد إلا سكناً مجرد مأوى، فليس عنده وقت لأن يلمس شيئاً حوله.. لا نعومة الفراش ولا بياض الخبز ولا سخونة الشاي ولا صفاء السماء وجمال القمر.

ومن أطرف النتائج العلمية التي اهتدى إليها العالم النفسي الفرنسي "نيبر" إنه إذا أرادت فرنسا أن يزيد عدد سكانها، فليمتنع رجالها ونساؤها عن الذهاب إلى مكاتبهم أسبوعاً من كل شهر.. لأن القلق والتوتر والاندفاع تقضي على أي طعم للحياة والعلاقات الإنسانية، وتجعل الناس نباتات أو حيوانات!