لبنان رئة العرب

TT

إذا كانت سويسرا قد اغتنت من فتح المجال للأموال المحرمة فإن لبنان ازدهر بفتح المجال للأفكار الممنوعة. هكذا استغلت الحكومات والمنظمات اللبرالية الفكرية هناك لتتطاحن مع خصومها على المستويين الإعلامي والفكري. كانت لكل دولة أبواقها وأزلامها. وكل شيء وكل كاتب بأجرته. إنه تقريبا البلد العربي الوحيد الذي استطيع ان اكتب عنه وأسخر منه وأثلب فيه بكل حرية. وهو ما أنا فاعل الآن.

حوّل الكثير من صحفييها وكتابها وفنانينها الارتزاق الى مهنة عالية. ذكروا ان احدى الحكومات العربية عاتبت سليم اللوزي على عدم كتابة اي شيء عنها رغم ما دفعوه له. أجابهم قائلا: هذا المبلغ كان لغرض السكوت عنكم. اذا كنتم تريدون المدح ايضا فهذا يتطلب سعرا أعلى.

الحذاقة اللبنانية لها شهرتها. وهو ما جسّمه تماما الشيخ الخازن الكبير عندما صادف رجلا يسوق بقرة أمامه. سأله كيف حصل عليها. قال له: سرقتها. فقال له الشيخ: «ولك ما تخاف من ربك؟ تسرق أموال الناس؟ اشتريها من صاحبها ولا تدفع له ثمنها».

وكان الشيخ قد ذهب بصحبة اميل إده لمقابلة وزير الخارجية الفرنسية بشأن الاحوال في لبنان. اقترب الموعد والخازن مشغول بملاطفة مساح أحذية كان يصبغ له حذاءه. فصاح به زميله «تضيع وقتك بالكلام مع بويَجي وعندنا موعد مع الوزير؟» فأجابه قائلا: «خلي بالك. يمكن الوزير يعين هذا البويجي حاكم علينا. خلينا نكسبه ونقوي علاقتنا وياه».

هذه في الواقع حكاية لها نظيرها في الشيخ عبد العزيز البشري عندما زار العاصمة البريطانية.

ولكن الى جانب الحذاقة اللبنانية توجد ايضا البلاغة. دأب أحد نواب المجلس على رفع المفعول به ونائب آخر يصلح له كلامه حتى تضايق هذا منه فوقف وخاطب رئيس الجلسة وقال: أنظر سيادتك. أنا اقوم له بالضم والنائب المحترم يصر على مواصلة اسلوبه في النصب».

في جو التفاهم السائد الآن علينا أن نتذكر السياسي الذي ذهب لمقابلة الرئيس مع بقية الزعماء. سأله الرئيس: حضرتك تمثل مين؟ كل واحد من الحاضرين يمثلون جماعة معينة من المقاتلين. فمن تمثل انت؟ اجابه قائلا : «أنا امثل المقتولين».

من أظرف ما سمعته من «الحذق» اللبناني ما روي عن رياض الصلح. قيل انه كان يتعرض كثيرا للضيوف الثقلاء. اعتاد على التخلص منهم بهذه البدعة. كان يستخدم رجلا يجلس في الغرفة المجاورة. ما ان ينتهي الضيوف من شرب القهوة، حتى يدخل الصلح على ذلك الرجل وينهال عليه بالشتم والضرب في سورة من الغضب ثم يرمي به خارج البيت. وعندئذ يدخل السكرتير على الضيوف ويعرب لهم عن أسفه بأن الرئيس في حالة عصبية مريعة. فينفضون ويغادرون البيت. وما أن يبرحوا حتى يعود الرجل، كبش الفداء، ويقبض أجرته عن دوره التمثيلي.