هل من حرب على إيران بعد التفاوض والتبادل؟

TT

إنهم يتفاوضون، لا يهم إن كان بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، المهم أنهم يتفاوضون، ويسهلون لبعضهم البعض عملية التفاوض. سوريا تفاوض إسرائيل عن طريق تركيا، و«حزب الله» يفاوض إسرائيل عبر ألمانيا. وكأن وجود الوسيط يلغي حالة التفاوض.

قبل سنوات، أخبرتني صديقة لي في بيروت كانت تملك محلاً لبيع الملابس الغالية، عن أخت أحد رجال الدين الكبار. قالت لي إنها تتبضع أسبوعياً من محلها وتأتي معها مرافقة تقوم بدفع الفاتورة نقداً، والسبب، أن الأخت، ترفض أن تلمس المال بيديها. لكنها ترتدي الملابس الغالية الثمن.

حال التفاوض اليوم، كما الحال في حرب تموز. الحرب الأولى شنت لإبعاد الاهتمام عن ملف إيران النووي، وصفقة التبادل اليوم يتم التوصل اليها في ظل ارتفاع نسبة الحديث عن حرب محتملة على إيران. السؤال: كيف يمكن لإسرائيل التي تفاوض حلفاء إيران: سوريا و«حزب الله» و«حماس» أن تشن حرباً على إيران؟ يضاف الى ذلك، إن إسرائيل تخلت عن موقف تتمسك به دائماً وتأخذه ذريعة لعدم إطلاق سراح سجناء فلسطينيين تقول إن أيديهم ملطخة بدماء إسرائيليين مدنيين ومنهم مروان برغوثي. مع الصفقة الأخيرة قررت إطلاق سراح سمير قنطار الذي صنفه «حزب الله» بطلاً. هو عام 1979 أطلق النار وقتل رجلاً إسرائيلياً أمام ابنته البالغة من العمر أربع سنوات، ثم هشم رأس الطفلة على صخرة، في ذلك الوقت كانت الأم تحاول منع ابنة الضحية الثانية من الصراخ وكان عمرها سنتان بتكميم فمها مما تسبب بموتها.

مع الإعلان عن الصفقة قال «حزب الله»، إن بنودها مطابقة تماماً لما طالب به عندما أسر الجنديين الاسرائيليين وقتل ثمانية آخرين، ولهذا اعتبر مناصرو الحزب أن الصفقة انتصار ثانٍ. لكن في الحقيقة، أن هذه الصفقة لتحرير سمير قنطار كلفت حرباً مدمرة بالنسبة الى لبنان وأوقعت 1200 ضحية، وخربت اقتصاده وشلته كدولة، ولأن الحزب فشل في ترجمة «انتصاره» العسكري انتصاراً سياسياً، كانت حربه على الدولة اللبنانية بكامل مؤسساتها.

نتج عن تلك الحرب إسراع سوريا الى استئناف مفاوضاتها مع إسرائيل التي سبق الإعلان عنها اغتيال عماد مغنية القائد العسكري في «حزب الله» في وسط دمشق، ورغم أن سوريا وعدت بإجراء التحقيق في عملية الاغتيال والكشف عن الفاعلين خلال أسبوع واحد من الاغتيال، لا يزال الصمت مخيماً ولم يُصرّ الحزب على ملاحقة الفاعلين والاقتصاص من المسؤولين عنهم، كما فعل عندما تم استدراج الجيش اللبناني الى مواجهة مع متظاهرين على انقطاع التيار الكهربائي في منطقة الشياح ـ عين الرمانة حيث سقط تسع ضحايا. لم يكشف التحقيق من أطلق الرصاصة الأولى، إنما أُعلن عن توقيف أربعة ضباط قيد التحقيق، ومنذ ذلك التاريخ أصاب تحركات الجيش بعض الشلل.

في الوقت الذي كان يتم فيه إنجاز بنود صفقة التبادل، صعّدت إسرائيل وإيران من تحدياتهما لبعضهما البعض، وسرّب الأميركيون معلومات عن المناورات الجوية التي قامت بها مائة طائرة إسرائيلية بمشاركة يونانية فوق المتوسط، على أساس أنها تدريبات لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، مع العلم أنها لتفعل ذلك، تحتاج إسرائيل الى صواريخ كروز الأميركية والقاذفات الاستراتيجية والتنسيق مع واشنطن.

ورداً على هذا حذر قائد الحرس الثوري الايراني، الجنرال محمد علي جعفري، إسرائيل من مهاجمة إيران لأن «الدولة العبرية تقع في مرمى الصواريخ الإيرانية» وأشار الى فتح جبهة جنوب لبنان.

لكن «غليان» هذه التصريحات لم يمنع إسرائيل من إتمام الصفقة مع «حزب الله». كما أن التهديدات المتبادلة لم تمنع وزير الخارجية السوري وليد المعلم من الاستعداد للتوجه الى باريس تحضيراً لزيارة الرئيس بشار الأسد، والسماح لفريق من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش المكان الذي تعرض لغارة جوية إسرائيلية في السادس من أيلول (سبتمبر) الماضي. لم تبد سوريا حريصة على سيادتها في هذا الأمر، وقال وليد المعلم إنها ما كانت سمحت للمفتشين بالمجيء، لو انها تمتلك برنامجاً نووياً. لكن الكثير من المعلومات بدأ يتدفق حول تلك المنشأة يتراوح ما بين أنها مصنع لإنتاج غاز الأعصاب، الى أنها مخزن للنووي الإيراني، لكن الأخطر في المقولات المتداولة أن السوريين سربوا المعلومات الى الإسرائيليين عن وجود هذه المنشأة عبر الوسيط التركي، وان هذا يفسّر عدم الرد عليها، أو التكتم عنها، كما يفسّر استمرار المفاوضات الإسرائيلية ـ السورية.

والآن، وبعد أن جرت تسوية في إسرائيل بين حزبي «العمل» و«كاديما»، أزيلت عقبة رئيسية كانت تهدد تلك المفاوضات، ثم إن الفرنسيين أكدوا لدمشق بأن حزب «الليكود» أيضاً يؤيد التوصل الى اتفاقية سلام معها. إن هدف المفاوضات هو التوصل الى اتفاق، ونتيجة الاتفاق ستكون إبعاد سوريا عن إيران.

إن الكل يتوقع أن تكون المعارضة الإيرانية لهذه المفاوضات هي العقبة. لكن، إذا أُعطيت دمشق الضمانات المطلوبة لاحتمالات التوصل الى سلام مع ما سيتبعه من التزامات مالية واقتصادية، فسوف تبدأ في اتخاذ إجراءات في لبنان تتعلق بنشاط «حزب الله».

إن صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل لن تمنح «حزب الله» الأمان الذي يتطلع اليه. في حديث الى محطة «المنار» التابعة لـ«حزب الله»، وعن عدم وجود مقاومة في الجولان، قال فاروق الشرع في 25 من الشهر الماضي: «إن بيننا وبين إسرائيل اتفاقاً عسكرياً لفصل القوات في الجولان، ولو جاء «حزب الله» وقال إن سوريا لا تقاوم في الجولان، ولا تفتح باب المقاومة، نأخذ هذا القول على محمل الجد، أما من ينتقد سوريا في هذا الموضوع فهو لا يريد المقاومة أصلاً».

لوحظ أن صحيفتي «الأخبار» و«السفير» المؤيدتين للحزب ومن دون غيرهما من الصحف اللبنانية حذفتا هذا المقطع من حديث الشرع. فالحزب لا يجرؤ على التقدم بمثل هذا الاقتراح، هو يعرف حساسية العلاقة بينه وبين سوريا ويعرف من هو الطرف الأقوى فيها، لذلك لم يتردد الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في آخر خطاب له بالإعلان على الملأ انتماءه الصريح لولاية الفقيه التي هي دعوة ايرانية بحت.

إن استمرار المفاوضات بين إسرائيل وسوريا والتوصل الى صفقة التبادل بين إسرائيل و«حزب الله» يسمحان بزيادة الضغوط على إيران بالنسبة الى ملفها النووي، وهي ستحاول تنفيس تلك الضغوط في لبنان. أمران يشيران الى ذلك. في مقال كتبه سيمور هيرش في العدد الأخير (7 الجاري) من «النيويوركر» يقول إن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وقع على قرار سري للقيام بعمليات داخل إيران لنسف برنامجها النووي ونسف حكومتها لتسهيل تغيير النظام. كونه قراراً سرياً، ما كان يمكن تسريبه لو أن الإدارة لم تقصد ذلك من أجل زيادة الضغوط على إيران. وما لم يحدث خرق أمني إيراني ضخم، فإن الحرب النفسية على إيران في تصاعد.

الأمر الثاني: كشف الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل يوم الخميس الماضي عن وجود مراكز مراقبة عسكرية لـ«المقاومة» في جرود صنين. أخذ الحزب أكثر من ثلاثة أيام لينفي الأمر، لكن العارفين في لبنان يؤكدون أن «حزب الله» يتمدد خارج المناطق الشيعية، ويحاول السيطرة على جرود كسروان والبقاع المطلة على المناطق الدرزية والسنيّة والمسيحية. والذي يؤكد ذلك محاولة الحزب في معارك 7 أيار (مايو) الماضي السيطرة على تلة الـ«ثلاث ثمانيات» (888) في عاليه التي تشرف على كل المعابر التي تؤدي الى الضاحية الجنوبية، كما حاول السيطرة على نيحا والباروك اللتين تجعلان من المختارة معقل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، تحت رحمة أسلحته. كما ان رفض الحزب مناقشة مسألة سلاحه حتى لو أعادت إسرائيل وسوريا مزارع شبعا الى لبنان، سيجبر بقية الأطراف على التسلح. هي لن تكون قادرة على تجريده من سلاحه وهو لن يكون قادراً على هزمها بالكامل، وبانتشاره خارج مناطقه قد يدفع الى إشعال حرب أهلية.

المشكلة التي قد تنتج عن التطورات الأخيرة تكمن في عودة لبنان الى الوقوع في الفخ السوري، إي لإنقاذه من سيطرة إيران، ولمنع وقوع حرب أهلية، يعود العالم الى تسليم زمام أمور لبنان الى سوريا.