تحسن لغة الخطاب لدى رايس.. ولكن هل يأبه بذلك أحد؟

TT

في عام 2000، قامت وزيرة الخارجة الأميركية كوندوليزا رايس، بنشر مقال لها بعنوان «تطوير المصالح القومية». وفي ذلك الوقت، كانت رايس أستاذة في جامعة ستنافورد ومستشارة السياسة الخارجية للمرشح الرئاسي جورج دبليو بوش، وكانت مؤسسة واشنطن تعلق آمالا كبيرة عليها.

وكان المقال جريئا وشجاعا، وكان ينظر إليه على أنه تجسيد لحملة بوش. وفي هذا المقال، أكدت رايس رعاية المصالح الأميركية وعدم انسياق السياسة بعيدا عن أهدافها الأساسية.

وأكدت كذلك على أنه «ليس ممكنا ببساطة تجاهل وعزل الدول القوية الأخرى، التي لا تشارك (الأميركيين) قيمهم». فالسياسة الواقعية يجب أن تعكس الفكر. وفي هذا المقال، عبرت عن مخاوفها من «إجهاد الجيش الأميركي» مما يعرضه لـ«نقطة الانكسار» بعد ثماني سنوات من التدخل العسكري إبان فترة ولاية كلينتون.

وعلى الرغم من تأكيدها على أن «قوتنا التكنولوجية» أتاحت لجيشنا «ميزة في ميدان القتال أمام أي جيش آخر»، إلا أنها فشلت في التنبؤ بالجماعات المسلحة والتفجيرات الانتحارية. وقالت كذلك: «إن هذا الجيش ليس قوة شرطة مدنية، وليس حكما سياسيا. وهو ليس مصمما لبناء مجتمع مدني.. فهناك فارق بين أن يكون لنا هدف سياسي محدود نقاتل من أجله بحماس، وأن نستخدم ذلك الجيش بصورة مفرطة في تحقيق ذلك الهدف، مع وضع إمكانية الوصول إلى حل سياسي في وقت ما».

وبعد ثمانية أعوام ونصف العام، كتبت رايس مقالا آخر في عدد يوليو (تموز)/أغسطس (آب) من مجلة الشؤون الخارجية. وفي هذه المرة، فإنها تقوم بعملية «إعادة التفكير في المصالح القومية».

وتبدأ مقالها بحيلة سياسية معروفة: عندما يكون ممكنا، تجنب المسؤولية من خلال التصويت السلبي.

وتتساءل رايس بقولها: «ما هي المصالح القومية؟». وتقول: «في عام 2000، كانت هناك تغييرات كبرى ـ وكنا ندرك هذه التغييرات في ذلك الوقت، ولكن تداعياتها لم تكن واضحة تماما بالنسبة لنا». وبعد ذلك، وبعد أحداث 11/9، فإن «الولايات المتحدة قد انجذبت إلى عالم مختلف تماما. لقد اضطررنا إلى القيام بدور جديد، وانجذبنا إلى آفاق جديدة من الصراع».

وفي هذا المقال «إعادة التفكير في المصالح القومية» نجد أن رايس تطلب من الولايات المتحدة أن تعمل على تطوير الديمقراطية وحقوق الإنسان، واقتصاد الدول الفقيرة.

وتؤكد رايس في مقالها على أن الولايات المتحدة «دعمت الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط الكبير» لوقت طويل، لكن ذلك «قدم لنا استقرارا زائفا.. فلم تكن هناك قنوات شرعية للتعبير عن وجهات النظر السياسية». ولا عجب إذا «أن تجد القاعدة الشباب البائس لتفترسه وتستخدمه في تحقيق مطامعها.. ولذلك فإن نظريتنا لتحقيق النصر، يجب أن تتلخص في تقديم الديمقراطية لشعوب هذه الدول لتحقيق تطلعاتها بطريقة سلمية ـ وأن نطور من مهارات شعوب هذه الدول، وأن نرفع عنهم الظلم ليعيشوا بحرية وكرامة. وفي هذا الإطار، فإن الحرب على الإرهاب هي حرب عالمية لمكافحة الجماعات المسلحة: فمعركتنا لا تركز على الأعداء الذين نحاربهم فقط، بل على المجتمعات التي تريد هذه الجماعات تحويلها إلى التشدد». نعم يبدو ذلك صحيحا.

وتعترف رايس بأنها «في عام 2000، استنكرت دور الجيش الأميركي في بناء الأمم الأخرى. ولكنني في عام 2008، أعتقد أنه بات من الواضح، أننا سوف نضطلع بدور كبير في بناء الأمم خلال السنوات المقبلة». وتستمر في حديثها قائلة، «إن علينا أن نساعد الإدارة الأميركية في منع فشل الدول الأخرى، وذلك من خلال دعم المؤسسات المدنية».

ويتميز مقال رايس عام 2008 عن مقالها السابق عام 2000 بأنه أكثر حكمة ولطفا وتواضعا وحزنا، بل إنه يوشك أن يكون اعتذارا. ومع ذلك، فقد كانت فيه فقرات لم أوافق عليها، ومنها ما يتعلق بموقفها المدافع عن الحرب على العراق، وغير ذلك من الفقرات المنمقة التي كان من الممكن أن يكتبها أي قيادي من الحزب الديمقراطي.

ولأجل هذه الأسباب، فإن المقال الأخير لرايس قد تم تجاهله على نطاق واسع. ولم يبد أنه قد التفت إليه العديد من المراقبين بطريقة أو بأخرى.

وربما تكون هي الأخرى تعيش مرحلة الإجهاد التي تعيشها إدارة بوش. وربما لا يكون مهما ما تقوله رايس بالفعل. فالفلسفة التي قامت بتوضيحها عام 2000 لم تثمر عن إحداث أي اختلاف، ولا يبدو أن فلسفتها المعاكسة سوف تثمر عن إحداث أي اختلاف آخر كذلك. فمع وجود بوش وتشيني في سدة الحكم، فإن السياسة الخارجية لبوش سوف تظل كما كانت دائما: مفلسة أخلاقيا، وغير متناسقة فكريا، وتفتقر إلى الكياسة في تنفيذها. وعلينا أن نتحمل ذلك لسبعة أشهر أخرى.

* أستاذة في مركز القانون بجامعة جورج تاون الأميركية

خدمة «لوس أنجلوس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)

[email protected]