الجزائر.. الى أين؟

TT

من المؤشرات البادية للعيان أن عودة أحمد أويحي لرئاسة الحكومة في الجزائر هي الخطوة الأخيرة من سيناريو التجديد في دورة ثالثة للرئيس بوتفليقة، مما يقتضي تغيير الدستور الحالي الذي حدد سقف رئاسة الجهورية بدورتين.

عرف الرجل المتحدر من المنطقة القبائلية الجبلية بحسه التكتيكي العالي  وقربه من المؤسسة العسكرية، وكان من أوائل الساسة الجزائريين الذين تبنوا مراجعة الدستور وخصوصا المادة 74 منه لتمديد حكم بوتفليقة.

والمعروف أن الرئيس بوتفليقة طرح منذ عام 2006 فكرة مراجعة الدستور، وإن كان لم يصرح الى حد الآن بموقفه من مسألة التمديد التي لم تعد مدار شك  في الجزائر. ومن المتوقع عرض مشروع التعديل في الشهر الحالي على البرلمان، إما لإقراره بثلثي أصواته، أو بإحالته الى استفتاء شعبي عام، في أفق الانتخابات الرئاسية المقررة في ابريل 2009.

والمفارقة القائمة اليوم في الجزائر أنه في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن التمديد لبوتفليقة تتزايد الإشاعات حول استفحال مرضه، الذي أصبح يقعده عن كثير من الأنشطة العامة التي تدخل في اختصاصه. فلم يعد «بوتف»، كما يطلق عليه أصدقاؤه، ضيف التلفزيون الدائم، بخطاباته الطويلة، ولغته الأنيقة الجامعة بين المسحة النخبوية والرمزية الشعبوية الستينية.

يذكر صحافي غربي زاره مؤخرا: «كنت عندما التقي بوتفليقة في بداية حكمه أشعر أنني أمام وزير الخارجية العاصف والمندفع الذي كنت أراقبه في دورات الأمم المتحدة... وقد شعرت عند لقائي الأخير معه أنني أمام رجل تبدو عليه أمارات حكمة الشيوخ ووهنهم». ومع أن موضوع خلافة بوتفليقة مطروح على الأجندة، سواء تعلق الأمر بغيابه الاضطراري المفاجئ أو في إطار المعادلة السياسية الجديدة (دورته الثالثة)، إلا أنه لم يبرز على الواجهة الى الآن الاسم الذي يحضره الرئيس شريكا له في القرار وخليفة له في المستقبل. فبينما تتحدث بعض المصادر عن رئيس الوزراء السابق عبد العزير بلخادم، لا يبدو هذا الخيار جديا، بالنظر لتجربة الرجل السياسية والإدارية المحدودة، الذي أنيطت به مسؤولية تطويع جبهة التحرير الجزائرية وإرجاعها الى منزلتها الاعتيادية كجهاز حزبي للسلطة الحاكمة.

وتذكر المصادر المقربة من الرئاسة أن من بين المقترحات الواردة في التعديل الدستوري استحداث منصب نائب للرئيس وإلغاء وظيفة رئيس الوزراء واستبداله بوزير أول محدود الصلاحيات، مما يفتح الباب أمام وضع الصيغة المؤسسية للخلافة.

وقد يكون بوتفليقة بهذا المقترح يحقق مطلبا قديما له، كان قدمه عام 1976 الى الرئيس بومدين. فحسب شهادة وزير الإعلام والخارجية الأسبق احمد طالب الإبراهيمي في الجزء الثاني من مذكراته الهامة، أن بومدين قال له  فراش المرض في موسكو سنة 1978 «إن بوتفليقة رجل بدون تجربة، وقد كان بحاجة الى سند يتكئ عليه فأديت له هذا الدور... إلا أنه عاتب علي أنني رفضت استحداث منصب نائب للرئيس وإسناده اليه». ويذكر المقربون منه أنه يدرك بجلاء أن خطورة مرضه تقتضي منه ترتيب خلافته، للحفاظ على المكاسب التي حققها لبلاده ولتفادي الأزمات والمصاعب التي خلفها غياب بومدين المفاجئ عن معترك الحكم. وحسب عبارة  الزعيم الجزائري المعروف حسين آيت احمد فإن الجزائر سائرة نحو نمط من «التناوب الخندقي» (أي داخل المجموعة الضيقة) الذي سيرتب ضمن صفقة محسوبة بين الرئيس والمؤسسة العسكرية.

والجديد في المعادلة الجزائرية أن الشخصيات السياسية الجزائرية التقليدية  غائبة راهنا عن مشهد التحول المرتقب، سواء تعلق الأمر بالرموز التاريخية للحركة الوطنية (كحسين آيت أحمد وطالب الإبراهيمي وعبد الحميد المهري...) أو بالصف الثاني الذي صعد للمسرح بعد منعرج 1989 (كرؤساء الحكومة السابقين مولود حمروش وسيد أحمد غزالي وابن فليس).

نجح الرئيس بوتفليقة في إخراج البلاد من محنة الحرب الأهلية الدامية، وأعاد للجزائر جانبا من ألقها الدبلوماسي السابق، لكنه عجز عن إصلاح النظام السياسي الذي وعد به، مما تعكسه حاليا أزمة الخلافة المفتوحة.