الصبر

TT

هناك حكاية صينية قديمة تقول:

إنه كانت هناك أسرة بلغ من سعادتها أنه لم يتركها أحد من أعضائها قط خلال تسعة أجيال متعاقبة، فيما عدا البنات اللاتي يضطررن للرحيل بسبب الزواج، وذاعت شهرة هذا الهناء العائلي حتى بلغت مسامع الإمبراطور، فبعث يسأل عن سرّه.

وأمسك ربّ الأسرة المسن ورقة وفرشاة ورسم حروفاً كثيرة، ثم سلم الرد إلى المبعوث، وعندما فض الإمبراطور الرسالة لم يجد فيها غير كلمة واحدة كتبت مائة مرة وهي (الصبر).

وهذه الحكاية أقدمها هدية زفاف لكل عروسين جديدين.

والله يعينهما على هذه الكلمة، مثلما أعانني سبحانه عليها رغم أنفي، وأنا أضحك بهيستيريا.

* * *

قال لي: لا شك أن زوجتي قد أصابها مسّ من الجنون!

رددت عليه: أعوذ بالله، اتق الله يا رجل.

ـ هذا هو ما أنا متأكد منه.

* ماذا حصل؟!

ـ فجأة اختلف مزاجها وتغيرت أفكارها وقناعاتها، وتحولت من آكلة للحوم إلى نباتية.

* وما الضير في هذا؟!، إنها في اعتقادي خطوة حسنة، وإنني شخصياً أفكر جدّياً بالتحول إلى ذلك.

ـ لا مانع عندي أن تتحول هي إلى نباتية أو حتى بقولية، ولكنها تريد أن تسحب ذلك على حياتنا كلنا، إلى درجة أنها أرادت إرغام قطتها على تناول النباتات بدلاً من اللحوم وعندما عجزت عن ذلك تخلصت منها، وفرضت على أطفالنا تناول الخضراوات والمعجّنات والعصائر فقط، حتى البيض ومشتقات الألبان حرمتهم منها، وكثر تذمّر الأطفال وساءت نفسياتهم وازدادت خناقاتهم، والآن أتى الدور عليّ واتجهت لي بتهديداتها إما أن أتحول إلى نباتي، أو الباب (يتّسع لجمل).

* يعني إيه، إيش قصدها؟!

ـ إنها بالعربي الفصيح تقول لي: يا أنا، يا اللحمة في هذا البيت.

* وماذا تصرفت، ماذا قلت لها؟!

ـ والله إنني أصبت بحيرة عظيمة، فأنا أريدها وهي أم عيالي ولا أريد الانفصال عنها، كما أنني في نفس الوقت أحب اللحمة حباً جماً ولا أستطيع (الانفطام) منها.. فوعدت زوجتي أنني لن آكل اللحمة، وهكذا أصبحت في المنزل نباتياً، وعندما أذهب للعمل لا أتورع عن المرور على صاحب الكفتة والكباب، غير أن ما أقضّ مضجعي وأصابني بما يشبه (المغص) أنها بدأت تشك، وأصبحت كلما دخلت إلى المنزل تشمشمني وتشمشم ثيابي كالكلب البوليسي، والدلالة أنها بالأمس أتت (بالمصحف الشريف) وحلّفتني عليه ألاّ يطب فمي بعد اليوم أي كائن حي لا من الحيوانات ولا الأسماك ولا الطيور ولا الألبان ومشتقاتها، ترددت قليلاً ولكنني عندما شاهدت الشرر يقدح من عينها، حلفت صاغراً.

قلت له كاذباً: إنني الليلة معزوم على ذبيحة (مندي)، ما رأيك أن ترافقني.

نظر إلي بعين دامعة دون أن يرد عليّ.

[email protected]