عبودية في النافذة المقابلة

TT

يحرص المرء على دار جاره لأنها امتداد لداره. إذا داهمت الجار نار سرعان ما تصل اليك. إذا ضربه الله بمرض العواء في الليل فلن تنام. إذا كان قاسياً على زوجته ويناديها بجميع الالقاب والاسماء والعبارات إلا اسمها الحقيقي، فسوف يحرمك نوم الليل وقيلولة النهار. والثانية اغلى.

مصابي بجاري الذي لا أعرفه ولا يعرفني، أكبر من ذلك. في الاعوام الثلاثة الاخيرة قلَّت زياراتي الى بيروت، وندرت. وعندما اكون في بيتي، المطبخ هو آخر ما ادخله آخر الليل واول ما ادخله في الصباح. في الليل أدخل لأشرب، وفي الصباح اقوم لتحضير القهوة. وأول ما يطل عليَّ في الليل والصباح مطبخ جاري وشرفة المطبخ الصغيرة. عندما اذهب الى النوم، حوالى الحادية عشرة والنصف وعندما اقوم حوالي السابعة والنصف، او قبلها بقليل، انا محكوم بالنظر الى مطبخ الجار، إلا اذا ارخيت ستائر مطبخي. وهذا خيار صعب، لأنه يعني العتم.

آخر الليل وأول النهار يطالعني في مطبخ جاري مشهد واحد: صبية افريقية، ربما من النيجر، تعمل على غسل ثياب العائلة او نشرها او كيِّها. لا ادري كم هو عدد افراد عائلة الجار. لكنني افترض ان احداً منهم لا يعرف الفرق بين العبودية والعمل، بين الطغيان والاستخدام، بين الظلم والظلم المتمادي. تذهب النيران في الحقول الى النوم وهذه الصبية تعمل. وتنام الطيور كفايتها وهذه الصبية تفيق. وتعمل دول العالم بقوانين العمل إلا جاري الذي لا يدخل مطبخه ولا يعرف انه أسر فيه مخلوقة بشرية من عمر أولاده، لا يحق لها ان تستمع الى اغنية او ان تشاهد مسلسلاً تلفزيونياً ولا ادري اي نوع من الطعام تعطى.

لست، كما هو واضح، ابراهام لنكولن. لا محرر العبيد ولا بطل قضاياهم. وعندما اسافر انسى أمر جارتي الاسيرة. ولن اقرع باب جاري لأقرعه. فاذا كان ليس في بيته من ينبهه الى مدى الظلم الواقع في هذا البيت، فلن ينبهه الى ذلك أحد. لكن ثمة مأساة اكبر، وهي اننا في العالم العربي نعتقد ان مهمة وزارة الشؤون الاجتماعية هي حمايتنا ضد العمال الاجانب. وما ان نحل بأرض فيها قضاء وقانون حتى نقيم الدعوة على الدولة. وغالباً ما نكبدها مليون استرليني في العام، كما هي حال أبو قتادة مع بلاد الانكليز.