عظيم الاحترام لهؤلاء جميعاً!

TT

دخل شاب أحد المعابد المقامة في مدينة سولمو بإيطاليا ونقش على الحائط بيتاً من الشعر.. وبعد ذلك بسنة دخل شاب آخر وكتب اسم الشاعر الذي نظم هذا البيت، والشاعر صاحب البيت هو الشاعر اللاتيني أوفيد (43 ق.م ـ 17م) أما البيت فيقول: الرجال تقتلهم الكراهية، والنساء يقتلهن الحب!

ومنذ مدة عثر عالم الآثار الإيطالي فالريو شنغراتي على بقايا هذا المعبد واهتدى إلى أن هذا المعبد يقع بالضبط في نفس المكان الذي أقام فيه الشاعر اللاتيني، وقد كانت للشاعر فيلا جميلة وكان يشتغل بالسحر واستحضار المقويات وإكسير الحب والحيوية، وقد غضبت عليه الدولة في أيام الإمبراطور أغسطس، ونفوه وسجنوه ثم نفوه، وحرموا قصائده العارية.. ولا بد أن أحد المواطنين الرومان قد أعجب بهذا البيت وكتبه على جدار المعبد وجاء زائر وعرف صاحب البيت فكتب اسمه.. وجاء الأستاذ ليديو جاسباريني أستاذ الأدب اللاتيني المعروف وبحث في كل مؤلفات الشاعر عن هذا البيت واهتدى إلى مكانه، واهتدى إلى أن تحريفاً خطيراً قد أجري على إحدى قصائده.. واكتشف الأستاذ توماسو براتكاني أستاذ الأدب اللاتيني أيضاً أن هذا البيت له قصة: فقد سطا الإمبراطور على أجمل قصيدة للشاعر أوفيد كانت قد نشرت في مخطوطة بإمضاء «ناسونيس» ومعناها «من مدينة ناسو» وهي المدينة التي ولد فيها الشاعر، ثم نسب الإمبراطور هذه القصيدة إلى نفسه وحذف اسم الشاعر!! ولكن المعاصرين للشاعر عرفوا هذا السطو الأدبي.. وكانوا ينشرون أبياتها في كل مكان ليغيظوا الإمبراطور. فجاء أحد الزوار ونقل بيتا منها ولم يشأ أن يذكر اسم الشاعر.. وجاء الثاني وكان أكثر شجاعة فكتب اسم الشاعر إمعاناً في إغاظة الإمبراطور..

وقد رجع الباحثان الكبيران إلى أكثر من عشرين مخطوطة نادرة مصورة في 24 متحفاً كبيراً في جميع أنحاء العالم.. وصورا أكثر من مائة من الأعمدة الرومانية للتحقق من نوع الخط لمعرفة العصر الذي كتب فيه، واشترك مع الباحثين الكبيرين أربعون من الأساتذة والأساتذة المساعدين والمهندسين والمصورين.. كل ذلك من أجل عبارة كتبها زائر من ألفي سنة!! منتهى الصدق والإخلاص في العمل والبحث عن الحقيقة التاريخية. ولا نملك أمامهم جميعاً إلا أن ننحني وإلا أن نستعير قبعة لنرفعها مع عميق الاحترام!