الحلم الذي ضاع

TT

لا أكذب عليكم أنني منذ زمن وأنا أتوق إلى الثراء الفاحش، وكثيراً ما أعلنت ذلك نهاراً جهاراً وعلى رؤوس الأشهاد، وأذكر أن أحدهم انتقدني إلى درجة التوبيخ قائلا: تكلم وابحث عن الثراء أينما كان حتى لو في (أذناب الكلاب)، ولكن اترك كلمة (الفاحش) هذه الكلمة البذيئة، التي تتردد دائماً على لسانك.

وفعلا كنت دائماً لا أتكلم عن الثراء إلاّ وأقرنه بكلمة (الفاحش)، ولا أدري لماذا؟! رغم أنني أكره الفواحش كلها ما ظهر منها وما بطن ـ فهل عقلي الباطن هو الذي يتكلم بالنيابة عني يا ترى؟! أم أنني إنسان غير ورع؟!

والدلالة على جريي جري الوحوش خلف الثراء، أنني نافقت وتملقت يوماً أحد الأثرياء من أهل القصيم، عندما ذكر في مناسبة خاصة كنت أحضرها، أن لديه مزرعة كبيرة في الصحراء يديرها مهندس أميركي، وأن ذلك المهندس عثر على أحجار الماس الخام منثورة على أحد التلال في المزرعة، وأن زوجته قد التقطت بعضاً منها، وفي إجازتهما الصيفية ذهبا إلى (هونغ كونغ) للسياحة، وعرضت زوجته تلك الأحجار على أحد المعامل المختصة بصقل الماس، وأنهم صقلوا تلك الحجارة، وصنعوا لها عقداً يخطف الأبصار من شدّة لمعانه.

كان ذلك الثري التاجر يتكلم عن ذلك الموضوع بكل بساطة حسدته عليها، كان هو يتكلم وأنا مشدوه فاغر فمي يكاد لعابي يسيل من شدّة اللهفة والحماس.

وقلت بيني وبين نفسي: هذه فرصتك يا ولد الناس، لا تفوّتها، كلبش عليها بيديك وأقدامك وأسنانك، فالثراء (الفاحش) هو قاب قوسين أو أدنى منك، سوف تظفر به لو استطعت أن تصل إلى ذلك التل أو المنجم.. كما أن (هونغ كونغ) لا تبعد عنك أكثر من 12 ساعة طيران، لقد نزل عليك الحظ من السماء، فاظفر به تربت يمينك.

كنت ساهماً في خيالاتي وأحلامي، وأفقت على سؤال أحد الحاضرين لذلك التاجر عندما سأله: هل ما زال ذلك المهندس يعمل عندك؟! فأجابه: مع الأسف انه توفي من جراء حادث سير في (هونغ كونغ)، وأن زوجته أصبحت مقعدة بعد أن بتروا إحدى رجليها من جراء ذلك الحادث.

وأردف قائلا: إنني بعدها تشاءمت من تلك المزرعة وذلك المشروع، ولي الآن أكثر من ثلاث سنوات لم أذهب إلى هناك.

ففرحت وحمدت ربي أن ذلك الأميركي قد قضى نحبه، لأنني لا أريد أن يشاركني في ذلك التل أو (الكنز) لا أميركي ولا يهودي ولا حتى مسلم، أريد أن استأثر به وحدي، وحدي فقط من دون العالمين جميعاً، لا أهل ولا أصدقاء ولا إخوان ولا أبناء، لي أنا فقط ومن بعدي الطوفان. لم يغمض لي جفن في تلك الليلة من شدة اللهفة، وقررت أن أتشبث بتلابيب ذلك التاجر، وأن ألازمه كظله وأصبح (كالأزرار في حلقه) حتى لو أدى الأمر أن أكون خادماً من خدامه، فالغاية عندي أصبحت تبرر الوسيلة، المهم هو الوصول بأي شكل من الأشكال إلى (التل). وبالفعل أصبحت ضيفا ثقيلا على ذلك الثري في منزله، رغم أنني أعلم أنه لا يستلطفني، ولكنه من كرمه ومجاملته لم يصارحني بذلك، وفي إحدى الليالي عندما لاحظت أنه (مسفهل) ومنشرح الخاطر، صارحته أنني على استعداد لإدارة مزرعته تلك، وأن لديّ مهندسين أكفاء في مجال الزراعة. وكانت صدمتي كبيرة عندما قال لي: لقد بعت تلك المزرعة قبل أشهر لشركة أقامت عليها مشروعاً (لتفريخ الدواجن).. وفي الصباح الباكر تركت منزل ذلك التاجر من دون وداع، وانطلقت إلى موقع المزرعة، وإذا هي محاطة بالأسلاك، وعلى بوابتها لافتة مكتوب عليها: ممنوع الدخول لغير العاملين. وإذا المزرعة بكاملها ممتلئة بحظائر الدواجن، ولم أشاهد أي تل ولا أي (الماس)، فانصرفت و(مكاكات) الدجاج تكاد تخرق طبلة أذني.