لئلا يفاجأ العالم اللاهي.. بما هو (أسوأ من الشيوعية)

TT

أعلن رئيس البنك الدولي في خواتيم الأسبوع الماضي:«ان الاقتصاد العالمي دخل مرحلة الخطر».. وهذه شهادة دولية رسمية تنذر بـ«الكارثة» وتعترف بها،.. ويظهر هذا الإعلان المرعب بينما زعماء العالم أو (أقزامه).. (غارقون) في تفاصيل صغيرة: محلية أو اقليمية أو دولية.. وهذا الغرق أو العمى يزيد ـ بلا أدنى ريب ـ من هول الكارثة الاقتصادية العالمية ومن وقعها المحطم، بل ان هذا العمى هو السبب الرئيسي في هذا الوضع الاقتصادي العالمي الذي يدلف الى الاضطراب والانهيار، ذلك انه منذ سنوات عديدة، أو منذ عقود، وشعوب العالم تواجه معضلة كبرى مركبة أ ـ الضلع الأول في المركب هو: المشكلات (العملاقة) التي تضرب أمم الأرض، وتتصاعد بمعدلات عالية متلاحقة، وهي مشكلات من كل نوع، وعلى كل مستوى: مشكلات: اجتماعية، ونفسية، وأخلاقية، وتربوية، وسياسية، وأمنية، واقتصادية، وبيئية.

ب ـ الضلع الثاني في المركب هو انه في ذات الوقت الذي تواجه فيه أمم الأرض (مشكلات عملاقة)،: رزئت بزعماء أو قادة (أقزام)!!.. وبديه ـ أبده من البديه ـ: ان الأقزام أعجز من أن يملكوا حلولا ومخارج من مشكلات عملاقة.. والبرهان القاطع على هذه الحقيقة البالغة المرارة والحزن هو وجود هذه المشكلات الكبرى وتزايدها في ظل هذه القيادات الهزيلة الكسيحة ـ عقلا وإرادة وأخلاقا ـ على مستوى العالم كله.

ولئن كان الاعلان الآنف لمدير البنك الدولي صادما صاعقا، فإنه استند الى (وقائع وقرائن وظواهر) لا تخفى على أي مكترث بشؤون العالم، فضلا عن المختصين بشؤونه الاقتصادية بخاصة.

ومن هذه الوقائع والظواهر (الموثقة):

1 ـ وقائع أزمة الغذاء العالمية، وهي أزمة تهدد أمما عديدة بمخاطر حادة ـ عاجلة غير آجلة ـ تتراوح بين سوء التغذية، وانعدام التغذية، والمجاعة المطبقة المهلكة.

2 ـ وقائع أزمة (غلاء الأسعار وجنونها) في السلع كافة تقريبا، وهي أزمة قضت على ما عند كثير من الناس من مدخرات، وفتحت فمها المتوحش لالتهام المرتبات: أولا بأول، لكي يكدح الموظف أو العامل ليكون ـ فحسب ـ: مجرد وسيط بين دافع المرتب وبين بائع السلعة!!.

3 ـ وقائع أزمة (العد التنازلي) لقيمة العملات بسبب جنون الأسعار جنونا لا يحده سقف ما.. ويأتي الدولار على رأس هذه العملات المتوالية التدني.

4 ـ وقائع أزمة (مناخ الكوكب). وإنا لنقول دوما:«إذا فسد مناخ الكوكب فسد كل شيء على ظهره»، وهي مقولة مستمد مفهومها من قول الله جل ثناؤه:«ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها».. فالأصل في الأرض.. في الكوكب. في الطبيعة والبيئة الكونية.. الأصل هو: صلاحها للسكنى والحياة الطيبة السعيدة المريحة الصحية. والله تقدس في علاه خلقها صالحة، والإنسان هو الذي يبقيها على (براءتها)، أو يفسدها بتفكيره الخاطئ، وسلوكه المتوحش، فيفسد بذلك حياة الإنسان، وحياة النبتة، وقطرة الماء، ونسمة الهواء.. والحق أن مناخ الكوكب يكاد (يتعفن) من التلوث، ومن الاحتباس الحراري. فهذا المناخ يتعرض ـ بعدّ تصاعدي ـ لارتفاع في درجة الحرارة. ومن المخاطر المترتبة على ذلك: التهاب سطح الكوكب وتأثيراته المنهكة الوبيلة على البيئة الكونية (الطبيعية والبشرية).. وذوبان جبال الثلج في القطب المتجمد.. وغرق الأرضين المنخفضة كافة.. واختفاء الجزر.. وازدياد الأعاصير: عنفا وتدميرا.. وتدمير المحاصيل.. واتساع رقعة التصحر.. وتشريد الشعوب الخ.. ويلحظ ـ ها هنا ـ: أن أزمة المناخ ذات صلة وثقى وعضوية بالأزمة الاقتصادية.

5 ـ وقائع أزمة (العولمة)، بل جريمة العولمة (بمفاهيمها الوحشية).. لقد استغل زبانية الرأسمالية العاتية: سقوط الخصم المنافس، واندحاره من ساحة الكوكب، وهو الاشتراكية أو الشيوعية الأممية: استغلوا ذلك ليس في تعديل سلوكهم المنحرف الذي كان من قبل سببا جوهريا في نشوء الشيوعية، وانما استغلوا ظاهرة غياب الخصم أو موته في مزيد من (الفجور الاقتصادي).. لقد حُرِّف مفهوم العولمة (وهو الذي ينبغي أن يتمثل في الاستفادة القصوى من التقدم التكنولوجي في الاتصالات والمواصلات والانفتاح الكوكبي العام: في تعزيز قيم التفاهم والعدل والمساواة على مستوى عالمي).. حُرّف هذا المفهوم حتى حصره زبانية الرأسمالية الهمجية في توسيع نطاق الجور والظلم والبطالة والفقر والحرمان بهدف توسيع نطاق الربح لفئة قليلة لا تساوي 5% من سكان الكوكب من البشر.

هذه الوقائع والظواهر الموثقة تسند إعلان البنك الدولي عن ان الاقتصاد العالمي توغل في (مرحلة الخطر)، سواء أعلن البنك هذه الوقائع أو لم يعلنها، بل سواء جهر بتصريحه المرعب ذاك أو لم يجهر، فإن كتمان الحقيقة الموجودة لا يلغي هذه الحقيقة قط، ومن هنا لا يكون الكتمان إلا خداعا للذات، وغشاً للأسرة البشرية.

بمقتضى هذه الحقائق الموضوعية يمكن القول، بل يجب الجهر بأن البشرية معرضة لأن (تُرزأ بما هو أسوأ من الشيوعية).. لماذا؟.. لأن الأوضاع الرأسمالية الغبية الفاجرة الظلوم الشبيهة: انتجت (الشيوعية الأولى): أي شيوعية ماركس وانجلز (ولا نعني بالشيوعية الأولى تلك التي توهمها هؤلاء).. والشيوعية التي نادى بها ماركس وانجلز وغيرهما تحمل (نظرية) للتغيير وللبدائل (وفق مفاهيمهما)، أي انها تريد اقتلاع الأوضاع القائمة لتقيم مكانها أوضاعا جديدة أفضل «!!!» مع ما يقتضيه ذلك من مسؤوليات!!.

أما ما هو أسوأ من الشيوعية (والذي يهيئ له القادة الأقزام: الزمان والمكان) فهو (فوضى عالمية عامة) لا تملك نظرية!، ولا تتحمل مسؤولية!.. ويمكن التمثيل المستقبلي لذلك بـ: أ ـ اندلاع ثورة أو ثورات (عمياء) عبر العالم لا هدف لها إلا تدمير ونسف المؤسسات القائمة ـ حقدا وتشفيا وانتقاما ـ، وليكن بعد ذلك ما يكون!.

ب ـ (تحالف ثورة عالمية مختلطة)، مكوناتها هي: الإرهاب ذو البواعث الآيديولوجية زائد الجياع والمحرومين والمظلومين في العالم كله: المشحونين بأطنان لا حصر لها من الكراهية والحقد والتذمر والسخط والغليان.. ولئن تعبأ هؤلاء بهذه الشحنات المدمرة، فإنهم لن يعدموا (الوسائل الحديثة) التي ينفذون بها جنونهم هذا، سواء كانت هذه الوسائل اتصالية ـ بأنواعها المتقدمة ـ، أو كانت قتالية أو تخريبية، من بينها امتلاك أسلحة نووية مصغرة على سبيل المثال.

وأسوأ من السوء: أن يستبعد القادة الأقزام العميان ـ اليوم ـ: هذه الاحتمالات المرعبة: استبعاد غبيٍّ، أو استبعاد من لا يهوى: التحرر من وهمه وكسله: حفاظا على الاستمتاع بلحظته الراهنة. بيد أن استبعاد المجانين الأقدمين لمثل هذه الاحتمالات، لم يكن مانعا من تحول هذه الاحتمالات الى (حقائق ووقائع).. لنصغ الى مؤرخ أوربي: عليم وأمين وهو (فيشر) صاحب كتاب (التاريخ الأوربي الحديث). فقد سجل في كتابه هذا، الحقيقة التالية وهي:«ان عصر الثورة الصناعية كان أشد مراحل التاريخ الأوربي بشاعة، فحينما توحدت صفوف الإقطاعيين القدماء والرأسماليين الجدد استطاعوا معا وبما لدى الحكومات من وسائل عنف: تقويض القيم الاجتماعية القديمة العريقة، وتقويض الحقوق (العُرفية) التي كان يتمتع بها العمال والفلاحون وتكفل لهم حدا مناسبا من المعيشة المناسبة.. وحين فعل الاقطاع والرأسمالية ذلك لم يتسببا في بؤس الملايين فحسب، بل تسببا في اندلاع حركات مضادة ناقمة، وفي اندلاع ثورات تدميرية أدت في النهاية الى ارتقاء الشيوعية الى سدة الحكم».