فلنغلق هرمز!

TT

يفكر متخذو القرار بدول الخليج بشكل جدي بالتحول من مضيق هرمز كمنفذ رئيسي لتصدير البترول إلى منافذ أخرى. مانشيتات تلو أخرى تؤكد أهمية هذا المنفذ، وكأنما لا منفذ سواه: «هذا الشريان الحيوي لبترول العالم»، «60% من نفط العالم يصدر عبر هذا المنفذ»، «مضيق هرمز عنق الزجاجة في الاقتصاد العالمي». وهكذا، عبارات رددها الاقتصاديون والساسة والمحللون عن أهمية هذا المضيق، الذي إن تم إقفاله فإن العالم سيختنق اقتصاديا ونفطيا. التفكير يتراوح بين ينبع وعدن وصلالة كبدائل محتملة.

تشهد منطقة الخليج عودة للتوتر هذه الأيام، وتلوح نذر الحرب. مناورات إسرائيلية وأخرى أمريكية ـ خليجية، مصحوبة بتهديدات إيرانية متكررة بحرق إسرائيل وإزالتها من الخريطة. الإيرانيون يعدون 320 ألف تابوت للغزاة القادمين من أمريكا. يتساءل الواحد عن دقة الرقم: «طيب خلوها» 300 ألف فقط! أو خلوها مليون مرة واحدة!

استرجعت صور صدام حسين مستعرضا جيش القدس: ستة ملايين متطوع استعرضهم صدام وطه ياسين رمضان وعزت إبراهيم الدوري، أمام شاشات التلفزيون لأيام متواصلة بداية العام 2002. ترى! أين ذهب ذلك الجيش؟ كان صدام قد هدد عام 1990 بأن «والله لنخلي (باللام المفخمة) النار تأكل نص إسرائيل». في نفس العام، أعدم صدام حسين مراسل الأوبزرفر البريطاني الجنسية الإيراني ـ فرزاد بازوفت ـ الأصل بتهمة التجسس. حكمت إيران الأسبوع الماضي على مواطن إيراني بالموت بتهمة التجسس لصالح إسرائيل.

بالعودة إلى هرمز، هدد رئيس الحرس الثوري محمد علي جعفري بإغلاق مضيق هرمز، إن هاجمت أمريكا وإسرائيل إيران. ارتفعت أسعار البترول وارتفعت حدة التوتر بتصريح مضاد لقائد الأسطول الخامس في الخليج الجنرال كوسيغريف بأن إيران لا يمكنها إغلاق المضيق. رئيس الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال ميلر قال إنه يمكن لإيران غلق المضيق ولكن لأيام معدودة فقط. «النيويوركر» تنشر تقريرا لسيمون هيرش ـ القريب من السياسة الإيرانية ـ بأن أمريكا تنفذ عمليات سرية داخل إيران.

الرئيس محمود أحمدي نجاد يقول بأنه يجب محو إسرائيل من الخارطة، ولا يمكن للواحد أن يتخيل محو إسرائيل من دون حرب شاملة لن تستثني استخدام الأسلحة النووية، أو هكذا يقول ميزان القوى. التصريح بمحو إسرائيل أغفل الطبيعة العدوانية لها، ونسي أنها هاجمت المفاعل النووي العراقي عام 1981 قبل أن يهدد صدام حسين بحرق نصفها بعشر سنوات.

إيران تفقد أصدقاء العقل بسياساتها الانعزالية، لا بل إنها فقدت حليفها الوحيد بالمنطقة ـ سوريا. فسوريا تفاوض إسرائيل مفاوضات «غير مباشرة» بإشراف تركيا الجارة الشمالية الغربية لإيران. وهذا يعني أن سوريا وتركيا لا تتفقان مع إيران على محو إسرائيل من الخريطة.

منذ الحرب العراقية ـ الإيرانية ومضيق هرمز يعيش تحت تهديد الإغلاق، وضربت إيران ناقلات نفطية خليجية تحمل البترول في الخليج، مما اضطر دولا مثل الكويت إلى رفع أعلام الدول الكبرى تجنبا لمهاجمة ناقلاتها. برفع العلم الأمريكي على الناقلات الكويتية، توقفت الهجمات الإيرانية.

كلفة تصدير البترول عبر آلاف الكيلومترات من آباره مكلفة، ولكن الأكثر كلفة أن يغلق منفذ تصديره الرئيسي، فترتفع أسعاره بصورة تجعل بدائله أرخص منه، وبالتالي العدول عن شرائه. التصدير عبر الجنوب العربي يتواءم مع المطالبة بمشروع مارشال خليجي لليمن، ويفعل من الاقتصاد اليمني والحالة اليمنية ـ الخليجية التي أرى عوائق تقاربها يمنية أكثر من كونها خليجية.

إيران تدفع المنطقة وشعبها نحو الهاوية، و«العربجية والثورجية» مع إيران لأنها ضد أمريكا، فهم سيقفون إلى جانب إسرائيل ضد أمريكا. الفريق نفسه وقف مع صدام صوتيا ثم وقف يتفرج على «خراب البصرة»، وعسى ألا تكون «الليلة شبيهة بالبارحة»...