لو كان موغابي أبيض البشرة

TT

لم يكن باستون تشيبوري الناشط الديمقراطي، موجودا في المنزل عندما جاء رجال روبرت موغابي يبحثون عنه. فأمسكوا بزوجته داديراي، وقاموا بتعذيبها بقطع إحدى يديها وكلتا قدميها. وأخيرا، ألقوا بها في كوخ، وأغلقوا عليها الباب، ثم أحرقوا المكان.

لقد أصبح هذا هو النموذج المتبع حديثا: فمع اختباء رموز المعارضة، يقتل رجال موغابي المأجورون الأشخاص المقربين من هؤلاء المعارضين لإرسال رسالة تخويف. وقد اختطفت أيضا زوجة العمدة المنتخب في العاصمة هراري، وتعرضت للضرب حتى الموت.

عندما اضطهد نظام ايان سميث المميز للبيض، الشعب الزيمبابوي في السبعينات، احتشدت ضده الدول الأفريقية. بل وطالبت حكومة البيض العنصرية في جنوب أفريقيا بالتغيير، وهددت بقطع إمدادات الكهرباء عنه إذا لم يحدث ذلك.

ولكن ما زال رئيس جنوب أفريقيا تابو إيمبيكي مستمرا في التماس الأعذار لموغابي ـ وهو أكثر وحشية من ايان سميث ـ مراعاة في غير موضعها لتاريخه المشترك في الكفاح من أجل التحرير. وقد لاقى الشعب الزيمبابوي الكثير من المعاناة على مدى عقود عديدة من عنصرية البيض، وآخر شيء يريدونه هو التماس الأعذار لأعمال موغابي الوحشية بسبب لون بشرته.

وقد انخفض متوسط الأعمار في زيمبابوي من أوائل الستينات إلى أواخر الثلاثينات. كما أن هناك بالفعل عددا من الأثرياء في زيمبابوي تقدر ثرواتهم بالتريليونات أكثر من أية دولة أخرى، ولكن هذا بسبب وصول معدل التضخم إلى نسبة 10 ملايين في المائة. فيصبح أي شخص لديه 90 دولارا أميركيا تريليونيرا بالدولار الزيمبابوي، ويتكلف شراء رغيف الخبز مليار دولار زيمبابوي.

عندما نشأت في فترة السبعينات، كانت هناك حقيقة محورية، هي أن أيان كان شريرا وأن موغابي بطل. لذلك كانت صدمة كبيرة في آخر زيارة لي إلى زيمبابوي، عام 2005، عندما رأيت الكثير من شعب زيمبابوي يتذكرون الحكم الأبيض الظالم بحنين إلى الماضي. وكانوا يقولون جملة مكررة: «في ذلك الوقت في الماضي، كان الآباء يستطيعون إطعام أبنائهم على الأقل».

أحيانا ما يشتكي الحكام الأفارقة من أن قدرة الغرب على فهم القارة، يشكّلها بشكل خاطئ الطغاة والمهرجون، وليس الأعداد المتزايدة من الرؤساء المنتخبين ديمقراطيا، والذين حققوا معدلات نمو تصل إلى 6 في المائة. ولكن طالما يدلل الرؤساء الأفارقة موغابي، فهم يصمون أفريقيا بهذه الصورة.

وكان الرئيس الزامبي ليفي مواناوسا، أول من انتقد الانتهاكات التي فعلها موغابي، واستنكر نيلسون مانديلا بشدة «فشل موغابي المأساوي في القيادة». وكان من الممكن أن يتحدث مانديلا أيضا عن أخطاء إيمبيكي أيضا.

لا تتمتع الولايات المتحدة بفاعلية كبيرة، وشتتت بريطانيا نفوذها بالتركيز على معاناة المزارعين البيض المطرودين من أراضيهم (وفي ذلك تعصب قبلي للأنجلو ساكسونيين) ولكن مازال هناك حل لهذه الأزمة.

قد يكون الحل بالنسبة له «اعتزالا» مشرفا، لـ«أسباب صحية» بعد ادعاءات بإصابته بأزمة قلبية حفظا لماء الوجه، في منطقة محببة في جنوب أفريقيا، وأن يأخذ معه كبار مساعديه. فيتم استقباله على الوجه اللائق، ويمنح حسابا بنكيا يبلغ 5 ملايين دولار ليضمن قضاء ما تبقى من عمره في راحة.

الحل البديل هو أن يستمر في عناده ويتشبث بالحكم. وينبغي على القادة الأفارقة، أن يوضحوا له أن في هذه الحالة، سوف يساندون اتهاما يصدر ضده وضد مساعديه في المحكمة الجنائية الدولية. وتحت قيادة الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي، وسيفرض العالم أيضا عقوبات على دائرة موغابي، وسيقطع عنه الإمدادات العسكرية وقطع الغيار. كما ستقطع كل من موزمبيق وجنوب أفريقيا والكونغو، الكهرباء التي يوصلونها إلى زيمبابوي.

وإذا كانت هذه هي الحلول البديلة، فمن الأفضل أن يعلن موغابي تعرضه لأزمة قلبية، ويصر على التنحي عن الحكم. سيكون هناك مخاطر اندلاع صراع أهلي وانقلاب عسكري، ولكن هناك احتمالية أن تعود زيمبابوي مجددا «جوهرة أفريقيا»، كما أطلق عليها موغابي من قبل.

سيعارض البعض أن يكافأ طاغية برصيد من الأموال ومنفى مريح. هذا حقيقي، ولكن من المحتمل أن تتسبب أية طريقة أخرى في المزيد من الوفيات، وربما حرب أهلية.

وكيف نعرف أن العقوبات ستؤتي ثمارها؟ حسنا، لدينا شهادة موغابي ذاته.

ففي مقال عن الشؤون الخارجية عام 1987، دعا موغابي الولايات المتحدة لفرض عقوبات على جنوب أفريقيا، التي يحكمها البيض بسبب التورط في «حرب أهلية شريرة وقبيحة» ضد شعبها. وطالب موغابي العالم بـ«قبول العقوبات كوسيلة لزيادة خسائر» الحكم السيئ الوحشي. لو كان موغابي عنصريا أبيض البشرة! فإن القوى الإقليمية كانت ستجتمع ضده. من أجل الشعب الزيمبابوي. إن علينا أن نوطد العزم في مواجهة الحكام الأفارقة المستبدين ذوي البشرة السمراء، مثلما نفعل عند مواجهة هؤلاء ذوي البشرة البيضاء.

* خدمة «نيويورك تايمز»