العرب والمشهد العراقي الجديد

TT

تلوح في الأفق ملامح فرصة كبيرة للمحيط العربي، لأن يُعيد قراءة المشهد العراقي بطريقة جديدة تبتعد عن القوالب النمطية التي تختزل التفاعل الطبيعي على الأرض العراقية والمعطيات الجديدة، التي أفرزت شكلاً جديداً لشكل الدولة العراقية، خصوصاً بعدما تم تجاوز المرحلة الأمنية الحرجة والخطرة، التي كانت تنذر بانزلاق العراق لحرب أهلية وطائفية لا تُبقي ولا تذر، ويتجاوز أوارها حدود العراق، وبعد أن تراجع الخطاب الطائفي الذي كان يُذكي هذه الحرب بطريقة واضحة، وكان الخطاب الأقليمي مساهماً أيضاً وبنسبة معينة، والآن هناك تراجع مشهود وملموس لهذا الخطر والخطاب أيضاً واتجاه متسارع نحو وضع طبيعي في الوضع العراقي، ويتم الآن معالجة بقايا الاحتقان الطائفي وجيوب الإرهاب، الذي تم تصديره للعراق، وكذلك الامتدادات الإقليمية في العراق وتدخلات الجوار، بطريقة حيادية تتعامل مع الأشخاص بمدى مخالفتهم للقانون من دون النظر للانتماء السياسي أو الديني أو العرقي، أو للخلفيات التي ينتمي لها هذا المخالف للقانون.

هذه مفردة من المفردات الجديدة، التي تجب قراءتها مع مفردات ثابتة لم تتبدل أو تتغير من وضع مهم للعراق في هذا المحيط، وثروات هائلة وشعب يفخر بتراثه وماضيه، وتنوع إثني ومذهبي وديني فُتحت له أبواب التعبير عن نفسه بطريقةٍ لم تألفها المنطقة ولا العراق، وتحتاج لتعامل حكيم ومتوازن ليخلق منها معادلة تعايش وتفاهم وقبول بدل الإلغاء والخصام وسحق الهوية والتعامل السلبي مع هذه المكونات في بلد لا يزال نظامه في طور التشكيل والتأسيس، ليُنتج عراقاً متآلفاً مع نفسه ودوداً مع محيطه، وأن تكون هذه المكونات وهذا النسيج نموذج تعايش لا نموذج صدام فكري أو مذهبي أو عرقي، فلم يكن العراق في كل عهوده السابقة كنظام، منسجماً مع المنطقة طيلة الخمسين عاماً الماضية، بل كان عنصر توتر وقلق باتجاهاته المختلفة وجواره المختلف، وكذلك كان مصطدماً مع مكوناته التي لم تكن جميعها منسجمة مع المحيط الإقليمي، الذي كان يستشعر ويتوجس قلقاًً منها، وحتى بعد سقوط النظام ودخول العراق في أتون تجاذب إقليمي ودولي حاد، وثنائية المقاومة والاحتلال وتدمير هائل تعرض له هذا البلد، والخسائر البشرية المروعة التي ذهب ضحيتها العراقيون وتجاوزت حدود العراق ليتطاير شررها لخارج العراق، هذا الوضع الهش الذي استجلب قلقاً أكبر لدول الجوار، وأنتج تردداً من قبل البعض في التعامل مع العراق في رؤية نعتبرها في العراق قاصرة وترتكب خطأ استراتيجياً فادحاً، فلم ينتج هذا التردد وصفة ناجحة لأصل المشكلة ولا علاج لها، بل تعامل أقل ما يقال عنه إنه متفرج يتصاعد لحد التحريض على الموت المجاني بطريقة عبثية تخلو من أي شعور بالمسؤولية الشرعية والأخلاقية تجاه أرواح تُزهق وأشلاءٍ تتطاير.

آن الآوان الآن وبدون تردد لمراجعة جادة لكل هذا الركام الثقيل، في خطوات كبيرة لتختصر الزمن وتقرّب المسافات والنفوس التي لا خيار لها، غير أن تتلاقى وتتعاون ليتم إطفاء القلق الواهم والشك غير العادل من مستقبل بلد كان قطب الأحداث عبر كل تاريخه.

الخطوة الشجاعة المطلوبة ستحقق مكاسب ومنافع متبادلة وستخلق زخماً هائلاً لتدعيم الوضع، الذي يتجه نحو منفعة إقليمية إضافة للمنفعة العراقية، سواء لإطفاء القلق والشك الإقليمي أو لعلاقات العراق الدولية التي ستسهم إيجابياً في معادلة استقرار، ولن تكون على حساب أحد، ولن تكون مهددة لجيرانها، لأن العراق الذي يتشكل الآن، يحمل مناعة وأسباباً ذاتية تعمل كموانع وكوابح لأي إضرار بالآخرين أو مصالحهم.

قد تكون دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة والأردن الشقيق بدأت هذه المبادرة، التي نأمل منها ألا تفقد زخمها وأن تتواصل وتسهم مساهمة فاعلة في توسيع العلاقة العربية مع العراق، الذي سيختلف عن العراق السابق في العلاقة والرؤية والتفاعل مع الآخرين، الذين بدورهم يجب أن يقرأوا المشهد العراقي من زاوية صناديق الاقتراع التي خلقت معادلة جديدة للحكم لم تألفها دول عديدة في المنطقة، وتحتاج لصبر وأناة لتنمو نموها الطبيعي، وستكون مستقيمة وصلبة العود، مورقة ووارفة الظلال على نفسها وعلى محيطها أيضاً.

* الناطق الرسمي

بإسم الحكومة العراقية