خطاب الإرهاب: تقويض الأوكار والأفكار معا

TT

لا يعلم إلا الله حجم تلك العواقب الوخيمة، التي سوف تنال من أمن ومقومات المملكة العربية السعودية ـ حماها الله ـ لو لم تتمكن أجهزتها الأمنية من القبض على هذا العدد المهول (520) شخصاً من المتورطين والمنتمين للإرهاب وخلاياه وأفكاره، عبر ضربتها الاستباقية الناجحة. 

وهنا ينهض سؤال مهم: إذا كان تم القضاء على هذه الأوكار ـ بحمد الله ـ كما تم القضاء على غيرها من قبل، فإنه يبقى الهمُّ الأكبر ماذا عن القضاء على الأفكار التي تقف خلف هذه الخلايا والأوكار؟

إن هذه الأعداد الكبيرة الإرهابية، غذاها وغذى خلاياها الفكر الانحرافي، لقد نشرت صحيفة «المدينة» يوم 23/6/1429هـ تلخيصاً لما ورد في كتاب: «إدارة التوحش» هذا الكتاب أثر على هؤلاء الضالين وغسلت أفكاره أدمغتهم، وهو كتاب مستنسخ من فكر «القاعدة»، ينظر للإرهاب وطرقه، ويصف عديداً من الدول الإسلامية بـ«الدول المتوحشة»، ويجعلها أرض حرب، يجب أن يتم على ترابها محاربة أهل الغرب.

هذا الكتاب الفكري التكفيري خطير جداً فهو يدعو ويزين لضرب المنشآت النفطية، ومقومات هذا الوطن حماه الله، بل إنه بأفكاره وخططه يستهدف مشروع الإسلام التسامحي، ومشروع السعودية الحضاري الإنساني.

لا جرم أن القضاء على «الأوكار» أيسر وأسرع من القضاء على الأفكار، وهي التي تنظر للإرهاب وتدفع إلى استمرار أعمال الضلال، وعمليات التفجير.. وقد قال رجل الأمن سمو الأمير نايف بن عبد العزيز: «ما دام الفكر الانحرافي باقياً فسيظل الإرهاب باقياً».

من هنا تأتي أهمية تعاضد كلّ الجهود والمنابر والجامعات والجوامع والمجالس والعلماء، وأصحاب الفكر محلياً وإقليمياً ودولياً لِبتر جذور الإرهاب الفكرية لتذهب مع «أم عمرو»!

لقد أسهم مجلس الشورى في معالجة «ملف الإرهاب» من جميع جوانبه الجنائية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، حيث أصدر دراسة متكاملة وموضوعية عبر قراره 34/25 وتاريخ 26/5/1425هـ، هذه الدراسة التي تطلبت وقتاً كبيراً واتكأت على معلومات وأرقام دقيقة، لعلها أسهمت بما اشتملت عليه من محاور ورؤى بتحقيق مثل هذه الانتصارات المتوالية لبلادنا، للقضاء على الأوكار الإرهابية والأفكار الظلامية، والمؤمل أن يستفاد من كل ما ورد في هذه الدراسة الشمولية المتعمقة لظاهرة الإرهاب.

إن الشباب المسلم مستهدف بالتطرف إن يميناً أو يساراً: إما بتطرف الغلو والإرهاب والتكفير، أو بتطرف الانحلال والفساد الأخلاقي، وكلاهما شر مستطير.

إن المراقب للأحداث، يلاحظ اهتمام ونجاح المملكة العربية السعودية في الانتصارات المتوالية على الإرهاب والإرهابيين، وكذا الشأن في محاربة هذا الفكر المنحرف، يتمثل ذلك بسلاح المادة بالقضاء على أوكاره وبسلاح الفكر لتجفيف منابعه، فضلاً عن تعاونها الكامل مع كافة الدول التي تسعى إلى محاربة الإرهاب.

ولعل آخر اهتمامات القيادة السعودية بهذا الأمر، صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين، على تنظيم أهم الجامعات الإسلامية «الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة» المؤتمر الدولي العالمي تحت عنوان بالغ الأهمية: «الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف»، وهذه الجامعة التي تنظم هذا المؤتمر تعتبر «أمماً متحدة» حيث يدرس فيها عشرات الجنسيات من مختلف الدول الإسلامية.

وأهمية هذا المؤتمر تأتي من عدة جوانب، أولاً أنه يجيء بعد مزيد من الضربات الاستباقية والانتصارات المشهودة التي حققتها المملكة في هذا الميدان، وهي ليست انتصارات لأمن هذا الوطن فقط، بل هو انتصار على الفكر المخرب الذي يشوه الإسلام وتعاليمه. وثانياً: إن هذا المؤتمر يأخذ بُعْده من كونه يعقد في طيبة الطيبة التي هاجر إليها الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، حاملاً معه تعاليم ومنهج الدين الإسلامي الذي جاء ليعمر الكون، وينشر السلام، ويتعايش مع الحضارات وأتباع الأديان داعياً إلى التعاون بينهم في سبيل الحياة الكريمة، بل والإحسان إلى الآخرين ممن لم يناصبونا عداء أو يقيموا علينا حرباً، حيث جاء النص القرآن الكريم: «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»[سورة الممتحنة آية 8].

أهم أهداف هذا المؤتمر في ظل هذه الظروف والتحديات، وكما صرح مدير الجامعة الإسلامية الدكتور محمد العقلا: تعزيز الأمن الفكري في المجتمعات الإسلامية بإذكاء روح التسامح وأدب الخلاف وبلورة وسطية الإسلام وتسامحه مع الآخر.

وبعد: حمى الله المملكة العربية السعودية قبلة الإسلام، وبيت العرب ومنطلق التسامح والمحبة.. حماها من أعدائها سواء كانوا من أبنائها الأقربين أو من مناوئيها البعيدين.

رب اجعل هذا البلد آمنا.

* كاتب سعودي