فتن وأسماء

TT

منذ سنين طويلة صرخ الكاتب الإنجليزي ذائع الصيت وليام شكسبير وقال: «ما الذي يحتويه الاسم؟»

الاسم واقعيا يحتوي على معان كثيرة جدا، وأجد هذا المعنى واضحا حين تناول مشهد الإسلام السياسي في العالم العربي. فالأحزاب والحركات المنتمية لهذا النوع من التيارات تأخذ أسماء لامعة وبراقة وتعد بالشيء الكثير. فالمنظمة الأشهر أو الجماعة الأكثر إثارة للجدل «الإخوان المسلمون» اختارت اسما لافتا، فهي «حددت» أنها هي وحدها التي ينتمي إليها الإخوان المسلمون، وغيرها ليس بالضرورة، فاتحة المجال للعديد من الأسماء الأخرى الممكنة التي قد تتناول ذات الشيء مثل «الجيران المسلمين» و«الأصدقاء المسلمين»... الخ، وطبعا هناك الاسم الجذاب الآخر «حزب الله»، فالحزب لم يختر اسما آخر «أقل» وعدا مثل «حزب عباد الله» أو «حزب أحباب الله». ولكن كان الاختيار أن يحمل الحزب اسم الله مباشرة (فمن الذي سيعترض على حزب الله؟). وما ينطبق على الحركات السياسية ينطبق أيضا على القيادات المعلنة للحركات المتطرفة الأصولية، فلقد اتخذت أسماء لصحابة أجلاء مثل «أبو مصعب»، «أبو حفص»، «أبو جعفر» وغيرها حتى بات جيل كامل جديد يربط هذه الأسماء القيمة والمهمة في التاريخ الإسلامي بمسلسل عصري مليء بالدماء والقتل والرعب.

الدين الإسلامي الحنيف لا يزال يتعرض لحملة بشعة من الاستغلال بحقه، وللعب على عواطف ومشاعر العامة وذلك باستخدام أسماء ورموزه لترويج الأفكار والأهداف والمبادئ الشاذة والغريبة، وما ينطبق على هذه النوعية من الأسماء ينطبق أيضا على استخدام الدين في وسائل تجارية بحتة، فبعد موجة الاقتصاد الإسلامي والحراك الكبير في ساحتها، تظهر الآن نماذج أخرى من المنتجات والسلع التي تسوق لنفسها تحت المظلة الإسلامية، حتى وصلنا للحلاق الإسلامي وللخياط الإسلامي وللسيارة الإسلامية وللمليونير الإسلامي وغيرها من القوائم ومن الادعاءات المستغلة للدين بشكل ساذج ورخيص ومستفز.

العالم الإسلامي يبدو عالقا بين مطرقة الاستبداد وسندان التطرف، ولم يعد قادرا على تقديم نماذج للحكم الرشيد الممكن باسم الدين سوى ما كان تحت إشراف «مرشد أعلى» للنظام كما هو معمول به في إيران، بحيث بات هذا المنصب ظل الله على الأرض، أو تحت إشراف «مرشد عام» للجماعة، كما هو معمول به في جماعة الإخوان المسلمين باعتباره الأعلم بالأمور والمصالح وكيفية تبرير الغايات كلها والوسائل جميعها من أجل الوصول للحكم بأية طريقة كانت.

وقد تكون التجربة التركية هي بارقة الأمل العقلانية الوحيدة التي تستحق الوقوف عندها باهتمام ومراقبة تطورها، وخصوصا في ظل نمو اقتصادها المتألق والمتنوع وتحسن مستوى المعيشة وارتفاع نسبة التعليم، وتطور الخدمات المقدمة في مجالات الطب والتعليم والاتصالات وارتفاع مستوى فعالية القضاء، وإزالة قيود البيروقراطية عنه والكشف المتحسن عن مستويات الفساد، وهي جميعا نقاط لا يستطيع الكثيرون ممن هم في مناصب مهمة في معظم الدول الإسلامية ترديد نفس هذه النقاط واعتبارها عناصر إنجاز ونجاح وفاعلية. العقل غيب لمصلحة الخرافة، والجهل انتصر على العلم، والفساد بات سيد الموقف لينضم لزميله الملاصق: الاستبداد! وكل ذلك أفرز مناخا من الظلم لا يمكن إنكاره، وكرس مفهوما شاذا للسوية الاجتماعية انقلبت فيه كل القيم والمفاهيم والأعراف الداعمة لذلك إلى أدوات ووسائل للاستبداد والتسلط. الحراك السياسي الإسلامي في مجمله قدم نموذجا سيئا للآن في خطورة التلاعب بالدين ودغدغة مشاعر الشعوب بشكل درامي وعاطفي أدى إلى خلل مهول بين المنظومات السياسية والشعوب مخلفا فتنا راح في نارها عشرات من الأبرياء.

[email protected]