هل صنعاء مهددة

TT

لو بقيت المعارك في جبال اليمن لأصبحت مجرد نزاع قبلي آخر، انما بلغت النار حدا يهدد الطرق الرئيسية للعاصمة صنعاء، كما حدث الاسبوع الماضي، وبالتالي نحن امام مشروع سياسي جاد في اسقاط النظام. ولا يحتاج الأمر الى اجتهاد لأن إلقاء نظرة سريعة على بيانات المعارضة الحوثية تعلن برنامجا صريحا بتغيير النظام بكامله لا مساومته.

المهمة امام السلطات اليمنية صعبة لانها تواجه جماعات تسكن مناطقها، وتستعين بانتماءاتها القبلية المستعدة دائما لمساندتها من صرخة واحدة. مع هذا فالحوثيون الذين يظهرون كمتمردين قبليين في الاخبار هم في منشوراتهم الخارجية اكثر تطورا. يرسلون البيانات، ويجمعون تواقيع وتأييد كل الاطراف اليمنية التي يعتقدون انها على خلاف مع النظام، بما فيها جماعات يمنية تعيش في الولايات المتحدة، تدعي انها تساندها ببيانات اكثر اميركية، لا قبلية. في نفس الوقت هذا امر يناقض الاقوال التي التصقت بالتمرد الحوثي منذ بدايته، بانها جماعة تدار من ايران، مثل حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني. ونسبت اليها قصص تشيع متطرفة تدين فيها بالامامة للمرشد في طهران. وبالتالي نحن امام وجوه متناقضة للحوثيين، بين ايران والمانيا والولايات المتحدة وجبال صعدة. وجمع كل هذه التناقضات امر مستحيل تماما مهما بلغ الفكر التآمري، لا يمكن وجود مشروع ايراني اميركي في قبيلة واحدة في جبل في اليمن.

لكن ليس غريبا ان تصدر الطروحات الثورية من الجبال اليمنية، ومن ابناء القبائل اليمنية، الذين تعاطوا الشأن السياسي منذ اسقاط الامامة. كما ان الجبال كانت معاقل مفضلة للثوار، والقبائل كانت الرديف العسكري لها.

وبغض النظر عن البرنامج الحوثي، وحقيقة تبعيته السياسية، فانه استطاع تسليط الضوء على صنعاء. فالنظام اليمني يمكن ان يشار الى انه نجح في البناء السياسي، مثل الانتخابات والبرلمان والحريات الجيدة نسبيا، وفي نفس الوقت فشل في انتاج دولة حديثة. اليمن المشبع بالسلاح والقات، المخدر الذي يتعاطاه الناس بكثافة في اليمن، بقي امرا شائعا، وقيل ان النظام السياسي سكت عليها لانه لا يريد استفزاز مواطنيه حتى حلت به مصيبتان. الاولى ظهور العصيان المتطور عبر الحوثيين والتفكير الانفصالي المسلح في الجنوب. والثاني تزايد الفقر مع تزايد انفاق الناس على مخدر القات الذي يكاد يجعل اليمن بلدا منكوبا اقتصاديا وموبوءا صحيا. لم تنجح السلطة في بناء مؤسسات تنفيذية تصحح وضع الخدمات الحكومية بنفس القدر الذي نجحت فيه في العمل السياسي الذي اشرت اليه. فما قيمة العمل الحزبي والديموقراطي اذا لم ينجح اهل الكلام في الاصلاح على الارض؟ فالسلطتان التشريعية والتنفيذية منفصلتان تماما ولا تسمعان لبعضهما. اليوم الحوثيون غيروا اسلوب حربهم الدعائية، فبعد ان كانوا يطلقون النار على سياسة اليمن الخارجية صاروا يتبنون الطروحات المحلية الشاكية، حتى يقدمون انفسهم للمواطن اليمني في صورة المنقذ. خطورة التمرد الحوثي ان عمره صار اربعة اعوام، ونجح في اضرام النار في الشمال، ويسعى للنزول الى العاصمة. الا ان صنعاء لن تكون لقمة سهله له، بل لن تكون لقمة لأن اليمن صار اكثر أهمية من ان يترك لجماعات مجلوبة من الخارج وتمول منه ايضا.

[email protected]