ولكن الصمت نعمة كبرى

TT

في دراسة لأحد علماء النفس الفرنسيين يقول فيها: إن الذين يتكلمون كثيراً ويسمعهم الناس يخسرون كثيراً!

أما الخسارة فهي أن الذي يسمع يستفيد أكثر.. فالقراءة مثلاً: ليست إلا سكوت القارئ والاستماع للكاتب يقول ويضيف إليه معلومات جديدة. والحضارة هي كيف يتعلم الإنسان أن يسكت: يستمع إلى المعلمين والمطربين والموسيقيين..

وكما أن هناك حرية للكلام، فهناك أيضاً حرية للصمت أي من حق كل إنسان أن يستمتع بالهدوء.. فلا يوجع دماغه أحد..

وعندما انتشر الراديو الترانزستور كان الناس يحملونه معهم إلى الحدائق، واحتج الناس على الاعتداء على حريتهم في أن يستمتعوا بالصمت والهدوء..

ولذلك كان لا بد من استخدام السماعات حتى يسمع الراديو صاحبه فقط.. احتراماً لصمت الآخرين وهدوئهم!!

أما الدراسة النفسية التي نشرها العالم النفسي د. روبير روكفورد فتقول، إن أكثر الناس كلاماً هم أصحاب السلطة السياسية، أو هم الأغنياء وهم يتكلمون، لأنهم قادرون على ذلك وقادرون أيضاً على تحويل الناس إلى عيون ترى وآذان تسمع ولكن أحداً لا يحرك لسانه بكلمته.

وهؤلاء المتكلمون سعداء بانفرادهم بالكلام ولو عرفوا الحقيقة لوجدوا أن الناس ليسوا سعداء بذلك، وإنما هم مضطرون إلى ذلك!

والعالم النفسي يطلب إلى هؤلاء الأقوياء أن يسكتوا «شوية»، أن يعطوا للآخرين فرصة أن يقولوا وأن يتساءلوا لعل هذه الأسئلة تفيد الأقوياء، فيزدادون قوة أو حباً..

ومن الصعب أن يتكلم الإنسان طوال الوقت من دون أن يجيء كلامه مكرراً ومن دون أن يكون مملاً ويتحول الكلام عنده إلى نوع من التكرار العقيم.. وبذلك تصبح أفكاره المحدودة متسلطة عليه.. وتعوقه عن التقدم .. عن الانفتاح على عقول الآخرين أو انفتاح عقول الآخرين عليه..

والناس يصفون هذا القوي الغلباوي أو الغني الثرثار، بأنه ليس هو الذي يتكلم دائماً، انما هي فلوسه.. هي سلطاته .. أما هو فلا يستحق أن يستمع إليه أحد.. ولو جردناه من السلطة ما وجد واحداً يستمع إليه.

وخلاصة الدراسة النفسية هي: أرجوك أن تسمع أكثر.. تستمع أعمق.. وإذا أتيحت لك فرصة أن تقول فاختصر. وإذا استدرجت إلى أن تقول أطول وأكثر، فتردد كثيراً فمن يتكلم أكثر يغلط أكثر، ومن يستمع أكثر يغلط أقل.. وإذا كان واحد قد اتهم بأنه سمع ولم يرد، فإن ألف واحد اتهموا بأنهم قالوا ولم يسكتوا..

صحيح أن للكلام شهوة قوية، ولكن الصمت نعمة أعظم!