الصدقة موضة

TT

الشائع أن الصدقة حسنة. ولكن الغربيين لم يعودوا يعبأون بالحسنات أو مرضاة الله. اخذت تشيع بينهم الآن فكرة ان الصدقة موضة. وقد اصبحت الموضات المحرك الكبير لصناعتهم واقتصادياتهم ونمط حياتهم.

المباهاة طبيعة في الانسان، ولاسيما المرأة. تراها تتباهى بجمالها وثيابها ومجوهراتها، بسيارتها وثروتها وأولادها. تأتي الثروة في مقدمة عناصر التباهي. ولكن لمعانها اخذ يتلاشى في الغرب مؤخرا، بل اصبحوا ينظرون اليها نظرة سيئة. أخذت تقترن بالفساد والدعارة وتجارة السلاح والمخدرات وغسل الأموال والتهرب من الضريبة. ولم يعد الحصول عليها دليلا على الحسب والنسب او الذكاء ومقدرة الكسب. أي عارضة ازياء تكسب الملايين من مجرد استعراض جسمها. أي لاعب كرة غبي يحصل على مثل ذلك من مجرد رفسة كرة. المضاربات بالاسهم والسندات والعقارات اصبحت مجرد حظ وصدفة.

لم تعد مظاهر الثروة شيئا يتباهي به المرء، ولاسيما بعد تكدس الفلوس في حسابات كل من هب ودب. راحت عشيقات ابطال الرياضة المتخلفات يتباهين بشراء احذية او حقائب بمئات اليوروات، ثم ارتقين الى ألوف اليوروات فعشرات الوف اليوروات حتى لم تعد الأرقام تلفت النظر او تدل على شيء. راح القوم يبحثون عن قنوات اخرى، اجدى واروع للتباهي.

اكتشفوا ان احسن شيء يفعلونه بهذه الثروات الخيالية، التي لا يعرفون ماذا يفعلون بها، او كيف يتباهون بها، هو ان يتصدقوا بها. تجد ابنة ملياردير في اسمال بالية تشتغل خادمة في مطعم. تتباهى فتقول، والدي تبرع بكل ثروته لأبحاث السرطان، او الجياع في اثيوبيا. تشير اخرى الى سيارتهم الصغيرة فتقول «هذه كل ما استطعنا ان ندبر. زوجي اعطى كل فلوسه للفلاحين في كينيا». ترد عليها صاحبتها: «انت محظوظة. زوجي فرض علينا ان نستعمل البايسكل. تبرع بسيارتنا الرولز رويز للمعاقين».

ظهر ادب جديد بوحي ذلك. قالوا «من يرث ثروته فهو رجل محظوظ. من يصنع ثروته فهو رجل بارع. من يترك ثروته لأولاده فهو رجل احمق». وقال حكيم آخر: «الثروة عيب». وقيل «اترك لولدك ما يسد حاجاته ولا تترك ما يفيض عنها فيفسد حياته».

التبرع لما يسمونه في الغرب بالصالح العام او «الأمة» له تراث مديد. فحيثما تذهب تجد متاحف ومستشفيات ومدارس ومؤسسات تبرع بها محسنون. ولكن هذا التراث اكتسب زخما جديدا منذ ان تبرع بيل غيتس، بكل ثروته البليغة للخيرات. تلاه الملياردير جون فأعطى 466 مليون باوند للتنمية في افريقيا، ثم البريطاني كرس جون تبرع بخمسمائة مليون. هكذا ظهر الآن ما يسمونه بالمليونيرية الجدد. يقضون حياتهم في الكد والجهد ويكدسون الملايين ثم يجودون بها لوجوه الخير حالما يتقاعدون. تلتقي بنسائهم فتسمعهن يتباهين بحرمانهن من الثروة. «والله يا حبيبتي، زوجي ما ترك لي غير البيت الذي اسكن فيه وطقم الاسنان الذي في حلقي». هذه موضة الموسم. صرعة الجيل الجديد. الاشتراكية الجديدة.

نحن نقلد الغربيين كالقردة في كل موضاتهم. هل سنقلدهم في هذه الموضة الحميدة ايضا، أم ترانا لا نقتبس غير الموضات الرقيعة والمؤذية؟ الجالية العربية بلندن تتهالك على ناد يجمعها. عبثا طرقوا ابواب الاثرياء ليجودوا عليهم ببيت صغير. هل من محسن يقول ها أنا ذا؟