«مؤتمر المتوسط» خطوة في طريق السلام بين الشرق والغرب

TT

قمة «الاتحاد من اجل المتوسط» التي ستعقد في باريس، بعد أيام، ليست قمة عادية او روتينية، بل قد تكون بداية عصر من التلاقي والتعاون بين دول شمالي المتوسط الاوروبية، ودول جنوبه وشرقه، لمعالجة المشاكل القديمة والجديدة المتراكمة، بين العالم العربي والغرب الاوروبي. وقد تكون تتويجا لمساع وجهود بذلت وتبذل في هذا الاتجاه، منذ سنوات، او حلقة في سلسلة خطوات ابعد هدفا، ونعني: السلام في الشرق الاوسط.

لقد ركزت وسائل الإعلام، سلبا وإيجابا، على تواجد رؤساء عرب مع رئيس الحكومة الاسرائيلية، حول طاولة واحدة. وبنوع خاص على دعوة الرئيس السوري الى فرنسا بمناسبة عيد فرنسا الوطني، معتبرة اياه نهاية قطيعة او شبه قطيعة بين فرنسا وسوريا، استمرت عدة سنوات، اي منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005. فهل كانت هذه «المصالحة» الفرنسية ـ السورية، نتيجة تعديل في السياسة السورية بالنسبة للبنان؟ وهو تعديل سمح بانتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية الجديد وتذليل بعض العقبات التي أخرت تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة؟ ربما. ولكن هل اقدمت سوريا على «تسهيل» الامور في لبنان، منفردة ام بالتفاهم مع ايران، التي تملك كما ثبت وسائل للضغط على الواقع السياسي اللبناني تفوق الوسائل السورية وغير السورية؟ ام ان هذا الانفتاح السوري على الغرب والسلام ولبنان، انما تم بالتنسيق مع ايران، وكان جزءا من «اللعبة الكبيرة» التي تدور اليوم في المنطقة؟ وهل تم بموافقة الولايات المتحدة ام من ورائها؟

هناك كما يجمع المراقبون والمحللون لعبة كبيرة ومتعددة الاطراف والأهداف والأدوات تشترك فيها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وتركيا وإيران ومصر والعراق وسوريا وإسرائيل ولبنان مباشرة، ولا تغيب عنها الدول العربية الخليجية ايضا.

عنوان هذه اللعبة الكبير هو انهاء الصراع العربي ـ الاسرائيلي وتصفية الارهاب معا، وبعد ان تبين للجميع انهما وجهان لقضية واحدة.. اما العناوين الاخرى او الثانوية فهي تركيز الوضع في العراق وافغانستان، والتوصل الى اتفاق سوري ـ اسرائيلي حول الجولان، وانجاح المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية وحل قضية ايران النووية بالطرق الدبلوماسية. فكل هذه المواضيع الخلافية بين الدول العربية والإسلامية، من جهة، والغرب الأميركي ـ الاوروبي، من جهة ثانية، هي قضايا مترابطة ومتشابكة، لا بد من التطلع اليها كسلة واحدة، ومن ثم محاولة سحب خيوطها المتشابكة، خيطا فخيطا.

بطبيعة الحال، لن توصل المحادثات السورية ـ الاسرائيلية، حتى ولو نجحت، الى تحقيق السلام في كل منطقة الشرق الاوسط، ولكنها ستلقي بوزنها على المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية. ومن الاكيد ان استقرار الوضع في العراق، واتفاق سوريا وإسرائيل، وركود التوتر النووي بين طهران وواشنطن، من شأنها ان تؤثر مباشرة على ما يسميه العرب مقاومة، وما يسميه الغربيون: ارهابا.

والقضاء على الارهاب هدف أميركي وأوروبي، لا يقل أهمية عن الاهداف الاستراتيجية الاخرى، بما فيها النفط وسلامة اسرائيل.

والسؤال هو: هل ان اسرائيل مستعدة للقبول بالثمن المطلوب دفعه لتحقيق السلام في الشرق الاوسط؟ وهل يناسب هذا السلام الاستراتيجية الايرانية في المنطقة؟

من الواضح ان «مياها» كثيرة قد جرت تحت اقدام دول المنطقة، في الاشهر الاخيرة. والا لما تحلحل الوضع المتأزم في لبنان، ولما جلست سوريا واسرائيل الى الطاولة التركية، ولما «تحسن» الوضع الامني والسياسي في العراق، ولما عقدت الهدنة بين حماس وإسرائيل، ولما نجح تبادل الاسرى بين حزب الله وإسرائيل، ولما جلس من جلس الى طاولة القمة المتوسطية في باريس.

غير ان هذه الغيمة البيضاء التي ترطب اليوم اجواء المنطقة، وتحمل على التفاؤل ليست اكثر من غيمة، قد تطردها رياح عاتية، مصدرها الخليج، او اسرائيل او ايران او الولايات المتحدة. اذ ان السلام في الشرق الاوسط قد يتعارض مع مصالح او مخططات اميركية وإيرانية آنية، وسياسات اللاعبين الثانويين، ونعني بهم سوريا وإسرائيل وبعض الدول العربية. ذلك ان الاوضاع السياسية الراهنة في اسرائيل، لا تمنح الحكومة الاسرائيلية مجالا واسعا لاتخاذ قرارات مهمة او حاسمة، سواء بالنسبة للجولان او للتوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين. بل قد تصطدم كل هذه المساعي الدولية والإقليمية لتحقيق السلام، بعجز حكومة اسرائيل الضعيفة عن اتخاذ القرارات الحاسمة التي

تتطلبها عملية السلام، اي الانسحاب من الجولان والقبول بالشروط الفلسطينية الاربعة لتوقيع اتفاقية سلام.

اما العقبة الثانية فهي ايران، التي اصبحت القضية الفلسطينية والمقاومة، الاداة الرئيسية لتحقيق مشروعها الاستراتيجي القومي ـ المذهبي، في المنطقة. ولا ننسى العقبة الثالثة وهي التيارات والحركات والتنظيمات السياسية ـ الدينية «الجهادية» المتطرفة، الناشطة من حدود افغانستان، الى المغرب العربي، والتي ترفض اي صلح او هدنة مع اسرائيل، بل اي تفاهم او تعاون بين المسلمين والغرب.

ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي يرأس هذه السنة «الاتحاد الاوروبي»، يحاول اليوم لعب اكثر من ورقة في سوريا ولبنان ودول جوار البحر المتوسط. ومما يشجعه على هذه المغامرة الدولية، بالاضافة الى خدمة المصالح الفرنسية، في العالمين العربي والاسلامي، «صداقته» للولايات المتحدة ولإسرائيل. وهي صداقة يعتبرها مسهلة للدور الذي يحاول القيام به، لا عائقا له. وهو بذلك، يخرج بفرنسا، نوعا ما، عن «السياسة العربية» التي وضع الجنرال ديغول قواعدها في الستينات من القرن الماضي، وواصل تنفيذها الرئيس جاك شيراك. يدفعه الى ذلك اعتقاده بان العالم عام 2008، يختلف عنه في الستينات او التسعينات. وبان من مصلحة فرنسا واوروبا ان تساعدا على تقريب الولايات المتحدة من العالمين العربي والإسلامي، وليس ان تستفيد من تضارب مصالحهما. وبان تحقيق السلام في الشرق الاوسط يخدم الجميع.

كل هذه الخطوات والمناورات تجري في الاشهر الخمسة الاخيرة من ولاية الرئيس الاميركي بوش، الحريص على ان يسجل التاريخ له صفحة او نصف صفحة بيضاء، وهي فترة قصيرة جدا. كما انها تجري وعلى رأس الحكم في اسرائيل سياسي ملاحق قضائيا ولا يتمتع بأكثرية نيابية كبيرة. وبالتالي رئيس ضعيف. ولكن بالرغم من ذلك، فان عدة «طبخات» وضعت على النار، من اجل اخراج الشرق الاوسط من أوضاع الحرب والتوتر التي باتت جميع الاطراف تشكو منها. وهذه الطبخات لن تنضج قبل انتهاء ولاية بوش، بل ستستمر في عهد الرئيس الاميركي الجديد، ايا كان، بل مع اي حكومة اسرائيلية جديدة. ولسبب بسيط وهو ثبوت فشل بل عبثية الحرب والإرهاب في حسم النزاعات التي تهز اركان هذه المنطقة من العالم وتهدد السلام العالمي.