12 وردة محبة

TT

تلقيت هدية مفاجأة وغامضة وغير متوقعة، هي عبارة عن باقة ورد وبها بطاقة مكتوب عليها فقط العبارة التالية: من شخص يحبك.

وأخذت أضرب أخماساً بأسداس، وأتساءل عن هذا الذي يحبني، فعلى بالي ليس هناك من إنسان مغرم بي إلى درجة أنه يشتري ويرسل 12 وردة حمراء، وسعرها (الشيء الفلاني)!

أخذت أتصل وأهاتف كل مَن أعرف وأتوقع منهم شيئاً من خفة العقل، ولكنهم جميعاً أنكروا أنهم بعثوا لي ذلك، بل إن بعضهم قالوا لي بالحرف الواحد، إننا لم نفكر فيك ولم تخطر على بالنا أصلا.

وفي ثاني يوم اتصل بي أحدهم يسألني عن حالي وأخباري، ولكي لا أطيل معه الحديث قلت له: إنني بخير وأموري حسنة، فقال الحمد لله لأنني آخر مرة اجتمعت فيها معك قبل أيام شاهدتك حزيناً ومنكسراً، لهذا بعثت لك بباقة الورود لكي أعبّر لك عن تعاطفي معك.

وانتفضت لا شعورياً قائلا له: هوّ أنت؟!، قال: نعم، صمت برهة ثم قلت له مجاملا: شكراً شكراً، وانتهت المكالمة عند ذلك.

ولكن لا بد أن أخبركم بكل صراحة، أن ذلك الشخص المسكين كان إلى ما قبل هديته ومكالمته، كنت استثقل دمه وهو (لا ينزل لي من زور) بالفعل، لما يتمتع به من بلادة متأصلة.. غير أنني بعد ذلك قدرت لمحته الإنسانية تلك، فبادلته العطف بمثله تقريباً.

وخوفاً من أن تذوي باقة الورود قبل أن استفيد منها، ما كان مني إلا أن أبعثها بورق (السلوفان) الذي يغلفها إلى رجل أريد أن استميله (لأمر ما)، وبعثتها فعلا وأرفقت معها رسالة أعبّر له عن مدى إعجابي وتقديري ومحبتي ورغبتي المخلصة في أي خدمة من الممكن أن أقدمها له.

وما هي إلاّ ساعات وإذا بذلك الرجل يتصل بي شاكراً، ويدعوني للعشاء غداً بقصره العامر، حيث إن هناك لفيفا من رجال الأعمال ووجوه المجتمع سوف يكونون موجودين.

وفعلا ذهبت بعد أن (تأنقت) كأي ممثل من ممثلي السينما.. وعندما وصلت رحب بي صاحب الدعوة وهو يشير إلى (ورداتي) قائلا لا شك أنك (جنتل مان) حقيقي، ولا تتصور مقدار تأثري بلفتتك الحضارية تلك، ولا بد أن أرد لك الهدية بأحسن منها.

تصنّعت الخجل والله يعلم ما يعتمل في صدري قائلا له: ما بيننا شيء، لا تتعب نفسك، يكفيني رضاك.

سهرنا وتعشينا بجو (كلاسيكي) كله أرقام، وأحاديث عن مشاريع وصفقات، وكنت الوحيد بينهم شبه الصامت لأنني في الواقع أحلق في سرب هو غير سربي، وأنا أعرف نفسي جيداً، حيث إنني ألزم الصمت إذا كان الحديث يدور في مواضيع لا أفهم فيها، لهذا كنت شبه (أخرس) تماماً طوال 99% من الوقت إلى درجة أن أحدهم سأل المضيف عني مازحاً وهو يشير لي قائلا: هل الأخ (أبكم وأطرم)، فأجبته أنا قائلا: وكمان (مكرسح)، فقهقه الجميع معتبرين كلمتي تلك نكتة.

الشاهد في الموضوع أن تلك (الباقة المباركة)، كان لها الفضل في ما بعد، لأن ذلك الرجل قد وفى بوعده وأرسل لي مقابلها هدية معتبرة (تزغلل) العين، ومن الصعب أن أذكرها لكم خوفاً من الحسد لا غير.

ولكي لا أنسى ذلك الذي عطف عليّ وأرسل الباقة، ذهبت إلى محل لبيع الزهور وأرسلت له باقة هي عبارة عن 12 زهرة قرنفل مع بطاقة كتبت فيها: من شخص لا يحبك فقط، ولكن يموت فيك كذلك.

[email protected]