إنجاز لا إعجاز

TT

إذا كان الشعر لا يترجم، فكيف الإعجاز القرآني؟ كنت كلما اطلعت ترجمة لمعاني القرآن الكريم، بالانكليزية أو الفرنسية، أزداد قناعة باستحالة الترجمة إلى لغة أخرى، إلا على سبيل الشرح لا النقل. أما النص نفسه، فهو يتخطى قدرة المترجمين ما دام في الأساس يتجاوز طاقة المقلّدين. ودليل الإعجاز أننا بعد 15 قرناً لم يدّع نص الاقتراب أو حتى المحاولة.

أعطي دائما مثالا على ذلك الآية «ولا تزر وازرة وزر أخرى». مصدر واحد هو الفعل والفاعل. هو النهي والتأكيد والتشبيه. وهو العظة كاملة بعلتها وحكمتها. لا يمكن، في اعتقادي، اللجوء إلى مثل هذا الاشتقاق، في مثل هذا الاقتضاب، في مثل هذه البلاغة، في أي لغة أخرى.

أتابع دائماً الترجمات على القنوات الدينية. ولا شك أن جهدا كبيرا بذل وتقدما ما تحقق. وكانت في مكتبتي طوال سنوات أول ترجمة لمعاني القرآن إلى الانكليزية عمرها نحو 375 عاماً. وفيها شرح عظيم وعمل أكاديمي وبحث تاريخي هائل. لكن الترجمات التي تلت لم تتجاوزها بكثير، بل اعتمدتها قاعدة للانطلاق، أو ربما مرجعاً للمقارنة.

كل فترة تقدم «بنغوين»، إحدى أهم دور النشر في الغرب، ترجمة جديدة لمعاني القرآن تحت باب «الكلاسيكيات»، كان آخرها عام 2004. ولقيت بعض تلك النسخ في الماضي نقدا شديدا من علماء المسلمين وخبراء الترجمة واللغويين الغربيين المتضلعين في العربية. والآن يرحب النقاد بالترجمة الحديثة التي أصدرتها «بنغوين» للدكتور طريف الخالدي، أحد أفراد تلك العائلة الفلسطينية التي أغنت الحياة الأكاديمية شرقاً وغرباً. لقد انصرف الخالدي، أستاذ العلوم الإسلامية في الجامعة الأميركية عن الكدّ في الشروحات إلى الكدِّ في النص الانكليزي، واجتهد أيما اجتهاد في محاولة الحفاظ على الإيقاع والانسياب وجمالية القراءة.

تنقل المفكر والمؤرخ طريف الخالدي، دارساً وأستاذاً، في كبريات جامعات العالم: أوكسفورد، كامبريدج، شيكاغو، الجامعة الأميركية، بيروت. وله مؤلفات عدة، أكثرها شهرة «عيسى برواية المسلمين» (دار النهار) وبعده كتاب عن سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم). وقد شرع في إعداد الترجمة القرآنية بناء على تكليف من جامعة هارفارد.