وجاء الدور الإيراني على أوروبا

TT

كانت صواريخ إيران في البداية صينية الصنع مطلية بالعلم الإيراني، تطلق باتجاه المدن العراقية على مسافات تصل الى 150 كيلومترا اثناء حرب البلدين خلال الثمانينات، ورغم كثافتها إلا انها عجزت عن هزيمة نظام صدام حسين آنذاك. بعدها استوردت إيران صواريخها من كوريا الشمالية الأطول سفرا، فزادت دائرة الخطر الى خمسمائة كيلومتر وصارت تشمل كل الخليج، وحتى العاصمة السعودية، وطبعا جزءا من سورية وجنوب روسيا واوزبكستان ونصف مساحة باكستان، وهذه دول ليست على لائحة الخلاف مع طهران. لكن رغم كثرة التهديدات الإيرانية فإن صواريخها ما كانت قادرة على الوصول الى اسرائيل.

أمس اطلقت إيران «شهاب ثلاثة»، مداه ألفا كيلومتر. يتميز بأنه يتجاوز اسرائيل والقاهرة الى اوروبا الغربية، وهنا بيت القصيد. اللعبة الآن كبرت مع اتساع دائرة الصاروخ الإيراني، وصارت أخطر مع اصرار الإيرانيين على تخصيب اليورانيوم الذي سيدفع أطرافا كثيرة الى اعتبار التهديد الإيراني يمسها مباشرة.

إذا كانت إيران ليست في حاجة الى قذف صواريخها الى أبعد من الف كيلومتر، حيث تل ابيب في المرمى، فلماذا وسّعت دائرتها الى ما وراء أثينا ؟ هل تريد إخافة الاوروبيين، ولماذا؟

الحقيقة ليست واضحة في أهداف إيران السياسية والعسكرية إنْ احتكمنا الى المنطق التقليدي في تفسير الصراع. وهناك احتمالات عديدة لكنها جميعا تعرّض إيران الى الخطر.

ربما تريد زيادة الضغوط من أجل التوصل الى شروط مساومة افضل، مثل السماح لها بسلاح نووي مشروط الحجم والنوعية. ربما تريد تعويض فشل مجهول في معاملها، إنْ لم تفلح تجاربها في التخصيب النووي بسبب محاصرتها علميا واقتصاديا. بإطلاق صواريخ بعيدة ترغب إيران في إيهام المجتمع الدولي بقوتها ومنحها امتيازات خاصة. او ربما تعتقد ان تهديد اوروبا عسكريا هو ضرورة لمنع أي هجوم عليها، او ان التفسير أبسط من ذلك كله، بانه يعكس عقلية القيادة الإيرانية التي هيمن عليها الحرس الثوري المهووس بالتفوق العسكري. الاستنتاج المؤكد انه كلما وسعت إيران دائرة الصواريخ ضيّقت الحصار على نفسها ووسّعت دائرة الخطر عليها ايضا.

وبغض النظر عن النوايا فإن إيران نجحت بكل تأكيد في رفع درجة الخطر والخوف في الغرب، اكثر من اي وقت مضى. ولهذا التطور تبعات خطيرة دوليا. فمرشح الرئاسة الاميركي جون ماكين دعا الى الاستنفار، وعرض على الاوروبيين ان تقوم الولايات المتحدة ببناء شبكة دفاع صاروخية ضد إيران. ولو صنفت إيران خطرا مباشرا على أمن اوروبا، حاليا تمثل خطرا على مصالحها فقط، فإن هذا سيعني مواجهة حتمية. واوروبا تنضوي تحت مظلتين، الاولى الاتحاد الاوروبي والثانية حلف الناتو. الأمر الذي سيعزز وضع الولايات المتحدة في مواجهتها الحالية مع إيران التي كانت تحث الاوروبيين منذ سنوات على عدم التساهل معها، اضافة الى حث اوروبا على ان تكون اكثر حماسا لاستصدار قرارات دولية قاسية ضد النظام الإيراني.

[email protected]