يوتيوب.. الحقائق تسبق الحقوق

TT

لا يحتاج الأمر لأكثر من إثارته حتى تقشعر الأبدان فكيف إذا كان موثقاً بالصوت والصورة!!

إنها قضية وفيات أطفال خدج في بعض المستشفيات الحكومية المصرية جراء الانقطاع المتكرر للكهرباء في ظل تعطل عمل المولدات البديلة ما انعكس بشكل مباشر على حياة كثير من المرضى، خصوصاً الأطفال حديثي الولادة الذين يحتاجون إلى عناية خاصة.

الحادثة وثقها أحد الأطباء عبر هاتفه المحمول وتم نشرها على موقع «يوتيوب» الالكتروني وتداولتها صحف وفضائيات مصرية وعالمية وأُفردت لها صفحات خاصة على موقع «فيس بوك» متخصصة في تسجيل وقائع الإهمال والفساد الصحي.

تظهر الصور التي نقلتها مواقع الانترنت ارتباكاً وحيرة في أوساط أطباء وممرضات لدى انقطاع الكهرباء وهم يحاولون انقاذ الاطفال الرضع ويعملون في الظلام ويستخدمون إنارة هواتفهم المحمولة للعمل من دون جدوى وكانت النتيجة المأساة وفاة أربعة أطفال..

إلى جانب كارثة الإهمال التي تطرحها هذه الواقعة وهي بحد ذاتها قضية كبرى تستلزم الكثير من المتابعة، برزت معضلة سبق أن طُرحت في أكثر من مناسبة وهي رفض بعض الصحف نشر صور الأطفال الموتى استناداً إلى مسلمة أخلاقية تعتمدها معظم وسائل الإعلام العالمية وهي منع نشر صور الموتى، خصوصاً إذا كانوا أطفالا.

مجدداً وبموازاة السجال حول قضية الإهمال الصحي، تبرز إشكالية انتهاك حرمات وخصوصيات ما لصالح قضية عامة وهو أمر مطروح بقوة في الغرب وفي الولايات المتحدة الأميركية تحديداً أي أن السماح بنشر صور مؤثرة لتحريك الرأي العام ولإثبات واقعة مروعة على غرار ما برز في حادثة المستشفى الحكومي المصري قد يبدو في هذه الحالة أمراً مبرراً بل وربما مطلوباً..

هنا يبرز نقاش آخر يتعلق بمسألة الحقوق الخاصة للمواد التي تبث عبر موقع «يوتيوب»، فقد اعتبرت الحكومة الأميركية أن بث مواد مصورة عبر موقع «يوتيوب» لأفراد وهيئات ما يجب ألا أن يسقط أن لهؤلاء حقوقا ملكية ونشر المواد من دون مقابل يعتبر اعتداءً على ملكيتهم، وطالبت الحكومة الأميركية شركة «غوغل» تعويض أصحاب الحقوق عن المواد التي تم بثها.

هذا النقاش على أهميته وجديته سيتحول إذا ما سحب علينا إلى محاولة للانقضاض على مساحة جديدة ونادرة للحرية في بلادنا وفرتها وسائل التواصل الحديث. فنحن وبما أننا خلف معضلة معادلة الحرية والحقوق لا يبدو أننا في خضم سجال من هذا النوع.

محاصرة «يوتيوب» بقوانين الملكية معناه عربياً احتمال حجب فضيحة موت الأطفال..

ليس في هذا دعوة لاستباحة حقوق الملكية في سبيل تعزيز مساحات الحرية إنما دعوة للالتحاق بمعادلة الحرية مترافقة مع احترام الملكية على أن لا تسبق حقوق الملكيات حريتنا المهددة.

diana@ asharqalawsat.com