ضيوف ساركوزي

TT

عندما أسس شارل ديغول الجمهورية الخامسة قبل نصف قرن، كانت فرنسا غارقة في نهايات المرحلة الاستعمارية، فعجّل في التصفية، وأخرجها من الجزائر، وعقد شراكة مع أفريقيا السمراء. وبعد حرب 1967، اتجه تماماً نحو العرب، وفرض حظر السلاح على إسرائيل، وأدلى بتصريح اعتُبر معاديا لليهود. وعندما انتخب فرنسوا ميتيران رئيساً، كان يعتبر مؤيداً لإسرائيل، لكنه لم يغير شيئاً في سياسة فرنسا العربية. وبعده جاء جاك شيراك، الذي قام بالرحلة الشهيرة إلى القدس الشرقية، حيث تشاجر مع رجال الشرطة.

نيكولا ساركوزي يجري أول تغيير جذري على سياسة فرنسا الخارجية منذ 50 عاماً. رجل الإليزيه يخاطب الفرنسيين (والعالم) قائلاً إن جده المجري كان يهوديا. ويحصر السياسة الخارجية في يده، مستبعدا وزيرها برنار كوشنير، كما لم يفعل رئيس من قبل. والمهام الخارجية الدقيقة يقوم بها مستشاره الخاص جان غيان، خصوصاً في لبنان وسورية. ولم يعد سراً في باريس، أن «المسيو» كوشنير، رجل لا عمل له.

لقد قلب ساركوزي الجمهورية الخامسة، وإن كان لم يعلن إنهاءها بعد. رحلته الأولى كانت إلى واشنطن بعكس جميع أسلافه. وقراره الأول كان إعادة فرنسا إلى الحلف الأطلسي. وفي نهاية هذا الأسبوع يلتقي في باريس زعماء دول حوض المتوسط لإحياء الفكرة التي طرحها ديغول عبر وزير إعلامه جورج غورس، حول إقامة التحالف بين قوتين: أوروبا الصناعية وعالم عربي مليء بالثروات البشرية والطبيعية.

التغيير الأساسي الآخر كان حول سورية ولبنان. إذ تحت شعار تغير الموقف السوري في لبنان نقل ساركوزي موقف باريس من العداء المعلن الذي كان يعلنه جاك شيراك، إلى المصالحة التي انتهت بدعوة الرئيس بشار الأسد إلى المؤتمر المتوسطي واحتفالات 14 تموز، ذكرى سقوط الباستيل. وكانت أولى علامات التغيير في الأسابيع الأولى من ولايته، عندما دعت فرنسا إلى مؤتمر للقوى السياسية اللبنانية في ضاحية «سل سان كلو» الباريسية، بحضور مندوبين عن «حزب الله». ثمة نصف قرن بين شارل ديغول ونيكولا ساركوزي. نصف دهر وزمان كامل. أين نحن اليوم من مناخ قناة السويس ومن أحمد بن بلا ومن النضال الأفريقي ـ الآسيوي؟. وأين صين ماو من الصين التي تسافر الآن إلى تايوان لشم الهواء وشراء الرخائص؟. وأين أصبح الاتحاد السوفياتي الذي كان ينوي أن يرمي الآخرين في مزبلة التاريخ؟. وأين غزة من رام الله؟. وأين البحر من النهر؟. وأين شرق أوروبا من غربها؟. وأين «المنظومة الاشتراكية» في الحلف الأطلسي؟. وأين.. وأين.. نصف دهر وزمن كامل.