نقلة سياسية

TT

صدرت مؤخرا من إسرائيل تقارير وأبحاث تحذر الحكومة من مغبة المماطلة في التسوية وتدعوها للانسحاب لحدود 1967 خوفا مما سيطرأ. وكنت قد كتبت وقلت بأن الزمن لم يعد في صالح إسرائيل. من العوامل التي أوحت لي بذلك التطور الجاري في عقر المجتمع الغربي. لقد أصبحت الجالية العربية والإسلامية تشكل قطاعا كبيرا من السكان وهي آخذة في التكاثر الحثيث. يعتقد الكثيرون أنها ستشكل الأكثرية في عديد من الدول الأوربية في نهاية هذا القرن. غدا الكثير من أبنائها يحتلون مناصب ومراكز مهمة. منهم من أشغل مقاعد وزارية وبرلمانية. اكتشفت قبل أيام قليلة عضوا في مجلس اللوردات البريطاني من اصل عراقي، اللورد درزي، يتولى كطبيب توجيه وزارة الصحة البريطانية. وبما يتميز به المهاجر من روح الكفاح والمثابرة وتنازع البقاء، راح أبناء العرب والمسلمين يتفوقون على غيرهم في المدارس والجامعات والتجارة والمهن الأساسية.

وعلى الطرف الآخر، أخذت الأموال العربية تتدفق على الأسواق الغربية. نقرأ كل يوم شراء العرب لأفخم ناطحات السحاب، وكبريات الشركات والبنوك. غدت الأرصدة العربية تشكل عنصرا مهما في مالية هذه الدول واقتصادها.

هذا موضوع يتطلب الكثير من التفكير. الأحوال السياسية في عالمنا العربي ممزقة وبعض المسؤولين فيها فاسدون ومتخلفون. أفلا يمكن انتقال الوزن السياسي إلى الغربة فتتولى الجالية ريادة الإصلاح والقيادة، كما فعل رواد الحركة القومية الأول في القرن التاسع عشر عندما قادوا الحركة من أوربا؟

هذا ما قد تحمله الأيام الحبلى بالتطورات والأحداث. ولكنه يتطلب رعاية وحذرا. هناك احتمال أن يذوب الجيل الثاني كليا في المجتمع الجديد، ينسون لغتهم الأصلية وقيمهم التقليدية ومصير شعوبهم وأمتهم. أمام هذا التدهور في أحوال العرب والمسلمين، راح البعض من أبناء المغتربين ينكرون حتى أصلهم ويبتعدون عن كل ما يرتبط به.

قيل الكثير في نقد هذه الجالية من حيث تخلفها في لعب أي دور سياسي كما فعل اليهود في اللوبي الصهيوني. هذه عملية تتطلب بعض الوقت ليستطيع المهاجر الاستقرار أولا ثم كسب الثقة بالنفس وكسب ثقة الآخرين به ثانيا. تتطلب التأقلم والاختلاط والاندماج وإتقان اللغة واستيعاب قيم المجتمع الجديد، كحق الانتخاب والضغط على النائب والتغلغل في وسائل الإعلام والتأثير عليها. وفي آخر المطاف في التأثير على سياسة البلد.

إنها مسؤولية تتطلب الاهتمام والبذل، تتطلب خلق المؤسسات من نواد وجمعيات ومراكز ثقافية لها من البرامج والفعاليات والنشاطات الجذابة على مستوى رفيع ما يلم المغتربين وأبناءهم ويقوي روابطهم ومشاعرهم بالانتماء الواحد والاهتمام بمصير بلدانهم الأصلية وحقوق شعوبهم والاعتزاز بتراثهم وحضارتهم والذود عن قضايا أمتهم.