هل بدأ سحب «المفتاح» السوري من «القفل» الإيراني؟

TT

دخلت المنطقة في صيف هادئ ظاهرياً. تبادل أسرى رسمي بين إسرائيل و«حزب الله» وإشارات جديدة أعطيت لإيران: «تجميد مقابل تجميد». هذا ما قدمه شفهياً المسؤول عن السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا الى طهران: لفترة ستة اشهر توقف إيران نشاطاتها في تخصيب اليورانيوم مقابل ألا يعمد مجلس الامن الدولي الى فرض عقوبات اضافية عليها. في هذه الأثناء يتفاوض الأوروبيون وإيران على طريقة التعليق الكامل، بعدها تنضم الولايات المتحدة رسمياً الى طاولة الحوار. وبهذه الطريقة تستطيع ايران القول أنها لم تعلق أنشطتها النووية كشرط مسبق للتفاوض، بل كنتيجة للمفاوضات، وتستطيع أميركا القول إنها لم تنضم الى المفاوضات إلا بعدما أوقفت إيران كل أنشطتها في تخصيب اليورانيوم.

هل يكفي هذا لتحجيم الخطر الايراني على المنطقة؟ إذا تجاوزنا الخطر النووي، وبعدما جرى في لبنان وتصريحات المسؤولين في «حزب الله» من أن قرار الحرب في تموز 2006 كان بعد التشاور مع ولي الفقيه (نعيم قاسم لتلفزيون الكوثر) وتأكيد الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله بأنه ينتمي الى ولاية الفقيه، نلاحظ أن للحزب عملاً مزدوجاً، وان ولاء المنتمين له، لإيران أكثر منه للبنان. إن إيران تستعمل لبنان كمنصة إطلاق لعشرات الآلاف من الصواريخ، ذلك أن الفكرة الثابتة لدى المسؤولين الإيرانيين منذ انتصار ثورة الخميني، هي أن إسرائيل تخطط للهجوم عليهم وتدمير الثورة، ولهذا عليهم أن يردعوا إسرائيل وأن يستعدوا للرد. ولأن إسرائيل قادرة بسلاحها الجوي على شن الغارات على إيران، وهذه غير قادرة على الرد بمثله، اختارت لبنان وحولته الى نقطة استراتيجية للردع أو للرد، ومنذ انسحاب إسرائيل عام 2000 استطاعت إيران وبحرية أن تبني خطوط ردعها أو رد فعلها في لبنان، وقد انكشفت خطتها في تموز 2006 أثناء الحرب عندما قضت إسرائيل في ليلة واحدة على حوالي 80 في المائة من الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى. ويقول لي خبير عسكري غربي على اطلاع عن كثب على خريطة المنطقة: «إنه لا علاقة لوجود هذه الصواريخ بقضية مزارع شبعا، أو القرى السبع أو كفر شوبا، وحتى بالمقاومة». ويضيف «إن خطأ كبيراً ارتكبه أمين عام «حزب الله» في الحرب الماضية، لأنه كشف عن خطة الايرانيين في لبنان وما كان عليه، بنظر طهران، أن يفعل ذلك والخطة لم تكتمل حتى نهايتها بعد».

ويفسر ما قاله السيد نصر الله في إحدى خطبه بعد الحرب: «لو كنت اعرف نوعية الرد الاسرائيلي ما كنت أعطيت الأمر بخطف الجنديين». كان يهدف الى أمرين: الاعتذار من اللبنانيين ومن الإيرانيين ايضاً.

أما بالنسبة الى خطر إيران على العرب حتى من دون السلاح النووي، فانه يعود الى أحلام المسؤولين الإيرانيين بأن جمهوريتهم في الأساس امبراطورية، فإذا سيطرت على الخليج، تستطيع السيطرة على الاقتصاد العالمي، يقول محدثي الخبير العسكري: «تخيلي ما يمكن ان يحدث لو سيطرت ايران على مضيق هرمز وحددت مثلاً عدد ناقلات النفط التي تعبر». ويضيف «اذا حدث ذلك، ستبرز قضية جديدة، المسلمون العرب في مواجهة المسلمين غير العرب، ونعود الى القرون الماضية والسؤال: من يحق له ان يكون خليفة رسول الله، هل هو العربي فقط، أم كما حدث في زمن السلطنة العثمانية، وهذه المرة قد يكون الخليفة ايرانياً. ثم تبدأ المواجهة ما بين السنة والشيعة، فماذا سيحدث عندها في دول الخليج، ثم إذا اتجهنا بعد ذلك الى افريقيا، فالشيعة في المغرب الاسلامي مرتبطون بخط «القاعدة»، لنصل الى العراق حيث التدخل الايراني يؤدي الى مقتل العراقيين والجنود الأميركيين والبريطانيين».

صار أسلوب إيران في التعامل مع المجتمع الدولي معروفاً، وعندما تتراكم الضغوط عليها تعتمد التصريح بشيء لا يحتوي على اي مضمون إنما يستطيع جذب التفسيرات المختلفة من قبل دول العالم، ثم بعد يومين تناقض تصريحها أو موقفها الأول.

هذا ما حصل أيضاً مع «حزب الله» في ما يتعلق بقضية مزارع شبعا. يقول محدثي إن العالم اتفق على مساعدة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة بحل هذه المسألة على أساس تجريد «حزب الله» من حجة ابقاء سلاحه، وبمجرد ان جرى الحديث عنها، قال الحزب: ان لا صلة بين سلاح المقاومة وانسحاب اسرائيل من مزارع شبعا، ذلك أن للحزب أجندته التي تتضمن «القوة الثالثة» والقرى السبع.

وما هي القوة الثالثة: عندما رسمت الأمم المتحدة الخط الأزرق عام 2000، ضمت إسرائيل «كيبوتز ارام» الى أراضيها، وهي في الأساس قرية لبنانية، وهكذا دخل الخط الأزرق مسافة عشرة أمتار داخل الأراضي اللبنانية، حصل هذا في ثلاث نقاط. الامم المتحدة طلبت ترك الحدود الجديدة كما هي، وعدم تغيير الخط الأزرق كي لا تدخل في مجهول مفاوضات لا تنتهي. هذه النقاط تسمى «القوة الثالثة» ويعرفها المطلعون على الحدود ومنهم السيد نصر الله.

ويربط الحزب سلاحه بتحرير القرى السبع وهذه تعود الى خط الهدنة عام 1949. يومها جرى تبادل في الأراضي، كما يحدثني الخبير العسكري، فالمناطق المحيطة بمرجعيون التي تعود الى مزارعي «متولا»، اعطيت للبنان، والقرى السبع أعطيت لإسرائيل. كيف وصلت الأراضي المحيطة بمطار مرجعيون العسكري الى مزارعي متولا؟ يقول محدثي: ان ملاكين لبنانيين باعوا تلك الأراضي للمزارعين وكلها مسجلة.

إذن لا صفقة حول مزارع شبعا؟ يبدو أن لا مشكلة حول ذلك في إطار ما نصت عليه القرارات الدولية التي تدعو الى ضرورة ترسيم الحدود اللبنانية ـ السورية، خصوصاً إن هناك حوالي 40 نقطة متنازع عليها بين البلدين من ضمنها مزارع شبعا. ويبدو أن هناك توافقاً بين إسرائيل وسوريا على البدء من الشمال وصولاً الى الجنوب، وفي عمق الجنوب تقع مزارع شبعا.

يعود محدثي الى ايران ويصف الايرانيين بالبراعة لمعرفتهم بالأقنية الضعيفة، ومن أين تؤكل الكتف. أوروبا لا تستطيع الوصول الى مجلس الامن من دون الصين وروسيا حتى لو كانت الولايات المتحدة تتصدر طاولة اصدار اي قرار أو عقوبة، لكنه يتساءل: إذا كانت إيران تريد اطلاق الصواريخ على إسرائيل فقط، فإنها تحتاج الى صواريخ يصل مداها الى 1500 كلم، فلماذا تطور إذن صواريخ يصل مداها حتى 4000 كلم؟ إن الهدف من ذلك أوروبا لأنها هي الساحة الخلفية لإيران.

إن التركيز على إيران يقود الى ما يمكن ان يجري في المفاوضات بين إسرائيل وسوريا. سوريا تريد انسحاباً اسرائيلياً من الجولان، المفاوضات الآن تدور حول نقاط الالتقاء، بعدها يمكن للمفاوضات ان تصل الى المرحلة الثانية. أصروا على الإعلان عنها ضمن حملتهم لكسب «اعتبار» الولايات المتحدة بعد «اتفاق الدوحة». ويقول محدثي: «إذا أرادت دمشق الوصول الى واشنطن عليها أن تدفع الثمن».

وماذا عن ايران، يقول: ان ايران مسألة بسيطة، فسوريا تريد لبنان، ويضيف «أن إيران وسوريا مثل النمر والأسد ، يسيران معاً، اذا اغريت الأسد بغنيمة فانه يقفز من القافلة لينقض عليها»، ويبدو أن الغنيمة كانت وستبقى لبنان.

سوريا ارتكبت اخطاء في لبنان. هي تعلمت من أخطائها ويبدو ان فرنسا اول المقتنعين بذلك. وعدتها سوريا بتسهيل انتخاب رئيس جديد (ميشال سليمان)، فجاءها في المقابل معاودة الاتصال الفرنسي بها وإعادتها الى الساحة الدولية.

لكن، هل ان الرئيس نيكولا ساركوزي المقرب من واشنطن وتل ابيب يقوم بهذا الدور من دون تنسيق سري مع هاتين العاصمتين، وهل ان القفل والمفتاح اللذين يغلقان الدائرة المستحكمة في المنطقة منذ سنوات سينفكان عن بعضهما قريباً، وهل بدأ العمل لسحب المفتاح (سوريا) من القفل (ايران)؟ إذا كان «تزييت» هذا القفل الذي تعمل عليه عدة دول، انضمت إليها اخيراً تركيا، يتطلب ثمناً زهيداً نسبياً هو لبنان، فمن يتردد في دفعه؟

المأساة أن اللبنانيين غارقون في «تناتش» الوزارات والحصص، غير مهتمين بأن إيران وسوريا متربصتان بهم وسوف تبتلعهم إحداهما بمباركة دولية وإقليمية. ويبقى السؤال: هل اننا مقبلون على صراع سوري ـ إيراني يقف فيه العالم «إياه» مع سوريا؟