هل يقدم أوباما فكرا جديدا؟

TT

كان من المعتاد في الانتخابات الأميركية أن يبدأ المرشح نجاحه وسط قاعدته الشعبية في الانتخابات التمهيدية، ثم ينتقل هذا النجاح إلى وسط البلاد مع دخوله في الانتخابات العامة لاحقا. لكن أحدا من المرشحين الحاليين لم تجر الأمور معه وفق هذا المنوال.

وفي سنوات الحيرة السياسية للحزب الديمقراطي بعد مونديل ودوكاكيس، عمل الحاكم بيل كلينتون على تجديد فكر الحزب الديمقراطي، بالتركيز على الإصلاح التعليمي والتدريب الوظيفي والتنمية الاقتصادية وتوسيع التجارة، كما عمل على تنفيذ الإصلاح القانوني وإصلاح القيم الأخلاقية. وفي عامي 1990 و1991 كان بيل كلينتون رئيس مجلس إدارة مجلس القيادة الديمقراطية ـ وهو المعهد الذي يعرف بقربه من عالم الأعمال والحزب الديمقراطي.

وقد عارض معظم الديمقراطيين هذه الإصلاحات، حيث رفض جيسي جاكسون مجلس القيادة الديمقراطية، قائلا: «إنه يقدم الديمقراطية للطبقة الراقية فقط». أما السيناتور هوارد ميتزينبوم فقد وجد أن تحالف القيم الديمقراطية سوف تنتج عنه عملية إصلاح ديمقراطية معاكسة.

وفي عام 1998، تم انتخاب حاكم تكساس جورج دبليو بوش الذي يتميز بعقلية إصلاحية أيضا، وفي الوقت ذاته كان غينغريش وآرمي ينهزمان على المستوى المحلي. وكان بوش هو أبرز الجمهوريين الذين ينادون بالإصلاح التعليمي، الذي أفاد أطفال الأقليات، وكذلك عمل على إصلاح السياسات الخاصة بالهجرة وتقديم الحلول الاجتماعية والإيمانية لحل المشكلات الاجتماعية مثل الإدمان والتشرد.

وفي خطابه السياسي الأول كمرشح للرئاسة، هاجم بوش الأمة التي تعتقد في مفهوم «لو ابتعدت الحكومة عن طريقنا، فسوف تحل كل مشاكلنا»، حيث ان هذا التوجه ليس له هدف أو غرض أسمى من مفهوم «دعنا وحدنا».

وبغض النظر عن وجهة نظرنا حول كل من بيل كلينتون وجورج دبليو بوش، فإن كليهما اكتسب سمعة كبيرة في ما يتعلق بتبنيهما للرؤى المعتدلة، وذلك من خلال تبني مواقف سياسية صعبة أثناء (وقبل) عملية الانتخاب. وعلى الرغم من تمسك كلا الرئيسين بالعديد من المواقف التقليدية لحزبيهما، إلا أن كليهما أسهم في وضع نظرية فكرية جديدة لحزبيهما. كما قام كلاهما، عندما كانا مرشحين، بإجبار الديمقراطيين والجمهوريين على تبني منهج الاعتدال.

ويبدو أن باراك أوباما يرفض نهج كل من كلينتون وبوش. ففي أثناء الانتخابات التمهيدية، كان من الصعب وصف أوباما بأنه مبتكر. وقد كانت سياسته الرئيسة تتمحور حول «إعادة المحادثات» بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين دول أميركا الشمالية، وتمويل الانتخابات الرئاسية، والانسحاب السريع من العراق، وإجراء مباحثات غير مشروطة مع الزعماء الديكتاتوريين حول العالم. ولكن على الرغم من أن أميركا اليوم أقل تأييدا للجمهوريين عن السابق، إلا أنها تبقى بلدا ينتهج الرؤية الوسطية المعتدلة. ويبدو أن أوباما تراجع أو تنازل أو تحول عن كل ما جعله يفوز بترشيح الحزب الديمقراطي.

وكما يقول أوباما: «في بعض الأحوال أثناء الحملات الانتخابية فإنه يتم تضخيم الشعارات». فهناك لمحة واضحة في هذا الاعتراف ـ وهي إشارة للطبقة السياسية على أن أوباما يفهم اللعبة السياسية جيدا. ويتوقع المعلقون مثل هذه التحولات من جانب المرشحين، كما أنهم لا يخفون إعجابهم بها. فهي تعبر عن نوع من التصميم السياسي والفكري. وهي تعبر كذلك عن تمتع المرشح بالمهارات اللازمة للمحادثات مع الدول الأخرى مثل روسيا والصين.

وهناك العديد من الأعذار للانتهازية السياسية، لكنها ليست فضيلة، حيث ينتج عنها السخرية في نهاية المطاف. وكما يقول ميت رومني، فإن الاستراتيجية التي تفوح منها رائحة السخرية يمكن أن تكون رأيا عاما، ينتشر أكثر من الاستراتيجية نفسها.

وأنا لا أعتقد أن أوباما مثل الحرباء التي تغير ألوان جلدها، لكن وصوله إلى الأميركيين المتدينين يعتبر أمرا مبتكرا وربما يشكل تحولا في حزبه. كما أن نجاحه السياسي قد عمل على تهميش جناح مؤسسة الحقوق المدنية، الذي يعتبر إنجازا كبيرا.

ولكن من الصعب أن نشعر بأن أوباما اكتسب تأييد حزبه من دون أن يكون قد عمل هو شخصيا على اكتسابه تماما. فعلى خلاف كل من كلينتون وبوش فإن إسهاماته الفكرية تبدو ضئيلة. وربما تأخذه الموجة التي يركبها بعيدا ـ لكنه لم يحدد وجهته بعد.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»