الأمن والاقتصاد: همّا لبنان الفعليان

TT

حامل هموم لبنان كحامل الهوى.. دائما تعب.

وأمرّ ما في تعبه أن الغراب قد يشيب ولبنان لا يتغيّر.

مهما تبدّلت الاسماء في برلمانه وتعاقبت الوجوه على حكوماته يظل لبنان اليوم لبنان الامس، ربما لكون معظم اللبنانيين، في قرارة أنفسهم على الاقل، تقليديون ومذهبيون ومستسلمون لقدرهم الاقليمي والدولي ما يجعل برلماناتهم وحكوماتهم تأكيدا عمليا لمقولة: «كما تكونون يولّى عليكم».

ولكن بعد ان كشفت السنتان المنصرمتان، أكثر من أي وقت مضى في تاريخ النزاعات اللبنانية الداخلية، تردي «الحالة الحضارية» للبنانيين ـ إن على صعيد خطابهم السياسي أو اصطفافهم الطائفي أو حتى التزاماتهم الخارجية ـ لم يعد ثمة شك في ان تسمية حكومتهم المقبلة «بحكومة الوحدة الوطنية» تورية دبلوماسية لما هو في الواقع «حكومة الشارع اللبناني».

إذا كانت ثمة ايجابية لهذه الصفة فقد تكون في نقل خيم الاعتصام من ساحة السراي الحكومي الى داخل السراى الحكومي، ومتاريس النزاعات من الشارع الى مجلس الوزراء.. علّ الانتخابات النيابية المقبلة، إن جرت بشفافية ونزاهة، تحسم هوية أكلة «كعكة لبنان» الجدد.

على هذا الصعيد قد يكون وضع لبنان اليوم أشبه بوضع بولندا في القرن الثامن عشر: دولة ضعيفة محاطة بدول قوية.. وكلما نشبت حرب بين جيرانها الاقوياء انتهت بتقاسم أراضيها كجائزة ترضية للمتحاربين، فاستحقت بولندا آنذاك لقب «كعكة أوروبا».

في القرن الحادي والعشرين أصبح لبنان منافس بولندا الشرعي ولكن على لقب «كعكة المشرق» وتفّوّق عليها بانه أصبح كعكة جيرانه وسياسييه في الوقت نفسه: خارجيا، إذا شاءت ايران تحدي واشنطن في برنامج تخصيب اليورانيوم.. يتوعد أحمدي نجاد الولايات المتحدة بهزيمتها في لبنان. وإذا رغبت سورية في جرّ اسرائيل الى مفاوضات حول الجولان المحتل.. يتحول الجنوب اللبناني إلى الساحة المتاحة لممارسة «الضغوط» عليها ـ والحروب إن اقتضى الامر.

وإذا مال ميزان القوى العسكرية بين الاميركيين والايرانيين في العراق لصالح هذه الكفة او تلك، يصبح الشارع اللبناني المرآة المحلية لتقلبات الوضع.

وإذا احتاجت إدارة جورج بوش الى ترضية معنوية لفشل مشروع «الشرق الاوسط الجديد» يصبح لبنان ساحة تبجحها في «الديمقراطية الناشئة» في المنطقة.. والقاصرة بحكم طبيعتها.

أما داخليا، وبعد بدعة اقتطاع «الثلث المعطل» للمعارضة في داخل الحكومة اللبنانية،أصبح تقاسم «كعكة» الحكم سابقة يصعب تجاوزها كلما وصلت نزاعات أفرقاء الداخل الى حائط مسدود.

هل يمكن للبنان أن يخرج من هذه الدوامة الاقليمية ـ المحلية بحكومة «جديدة» بالاسم، «قديمة» بالتركيبة، ولو سميت حكومة الوحدة الوطنية؟

الجواب، وللأسف، هو نعم. ليس لقدرة الحكومة «الجديدة – القديمة» على اجتراح المعجزات

بل لتقلص آمال اللبنانيين الى حدودها الدنيا، فما يتطلع إليه اللبنانيون اليوم، بعد تجاربهم المأسوية خلال السنتين الماضيتين، لم يعد يتجاوز الامل في أن يعيشوا يومهم قبل غدهم وأمنهم قبل مستقبلهم. في هذا المناخ الامني والمعيشي والاقتصادي الضاغط على الجميع يصح أن يكون ما ذكره الرئيس المكلف، فؤاد السنيورة، عن حاجة لبنان الماسة إلى تعويض الفرص الاقتصادية المفوتة في المنطقة، عنوان المرحلة التي يمر بها حاليا ويصح ان يكون تقديم الاحتياجات الاقتصادية على الطروحات السياسية المخرج الملائم لبيانه الوزاري في وقت يختلف فيه اللبنانيون على كل الشعارات السياسة ويتفقون على الاولويات الاقتصادية لبلدهم. حبذا لو يقتصر برنامج حكومة السنيورة على تأمين الرغيف والكهرباء والنفط ومحاربة التضخم والبطالة وخفض الدين العام ويترك القضايا السياسية الشائكة الى الحوار الوطني المنتظر عقده برعاية رئيس الجمهورية، ميشال سليمان.. لا هربا من العقد السياسية التي ستصطدم بها صياغة البيان الوزاري بل مساهمة منه في تجاوز اللبنانيين المرحلة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقبلة ـ والتي لا تزيد عن عشرة اشهر ـ بنجاح وسلام.