الخطوط المتشابكة بين إيران والغرب

TT

نعم، لا، ربما! وها نحن مرة أخرى نعود إلى المربع الأول. فالدبلوماسية الإنسانية لم تفلح مرة أخرى، إذا كانت المؤشرات الحالية صحيحة. ويبدو أن هناك من ينخدع بهذه الدبلوماسية مرة أخرى.

ويبدو أننا نشاهد عرضا مسرحيا حول نزاع الجمهورية الإسلامية مع الأمم المتحدة بشأن مشكلة البرنامج النووي الإيراني. وقد وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على سلسلة من النقاط التي تطالب الجمهورية الإسلامية الإيرانية باتخاذ عدد من الإجراءات أو مواجهة المزيد من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية. وفي الوقت الحالي، فإن هذا الإجراء قد يقود إلى تبني قرار بموجب الفصل 7 من قانون الأمم المتحدة، ليفتح الطريق أمام عمل عسكري ضد نظام خميني.

ولمنع الحرب، يجب أن يحدث أمر من اثنين. أولهما: الالتزام الكامل من قبل طهران بالعقوبات التي فرضتها عليها الأمم المتحدة بالفعل. ومن شأن مثل هذه الخطوة إيقاف عقارب الساعة التي تشير إلى قرب موعد الحرب، وتهيئة ساعة أخرى تدور عقاربها باتجاه المفاوضات. والشيء الآخر الذي يمكن أن يوقف الحرب، هو أن تستسلم الأمم المتحدة للخمينيين بسحب مطلبها بالقيام بإجراءات محددة من جانب إيران.

ولكل من الخيارين مؤيدون ومعارضون من كلا الجانبين. فعلى جانب الأمم المتحدة فإن بعض القوى، مثل روسيا والصين، وقد صوت كلاهما لصالح قرارات مجلس الأمن، سوف تكون مستعدة لأكل قطعة صغيرة من الكعكة في مقابل تجنب الحرب. ولا شك أن سبب موقفهما هو حبهما للسلام. فهذه القوى تعلم جيدا أن من شأن الصراع العسكري أن يقود إلى تغيير النظام في طهران، وأن النظام الجديد يمكن أن يعمل على إعادة العلاقات الدافئة مع الولايات المتحدة. وإذا ما حدث ذلك، فإن روسيا والصين وهما صاحبتا نفوذ كبير في طهران حاليا، يمكن أن ينتهي بهما الحال خاويتي الوفاض. وفي المقابل، فإن الولايات المتحدة، وربما الإدارة الفرنسية الجديدة تحت قيادة الرئيس نيكولا ساركوزي، تبدو مصممة على إجبار طهران على الإذعان حتى إذا أدى ذلك إلى نشوب الحرب.

ويبدو أن واشنطن وباريس مقتنعتان بأنه دون إشراك إيران، فلن يكون هناك بناء جديد لمنظومة الأمن في الشرق الأوسط. فإيران هي أكبر قطعة في لعبة الألغاز التي لا يمكن حلها بدون وضعها في مكانها الصحيح. وعلى الجانب الإيراني، فإن بعض الجماعات تعارض موقف الرئيس أحمدي نجاد المتشدد وترغب في الوصول إلى حل وسط مع الأمم المتحدة. وتدرك هذه الجماعات أنه إذا فاز الرئيس أحمدي نجاد بمعركته أمام الأمم المتحدة، فإنه سوف يصل إلى أعلى الدرجات في السلم الخميني.

كما أن من شأن ذلك أيضا أن يؤكد فوز أحمدي نجاد بالانتخابات الرئاسية التي تجرى العام المقبل. وسوف يكون لزاما على معارضيه الانتظار أربع سنوات أخرى قبل محاولة الوصول إلى السلطة، حيث سيكون العديد من الشخصيات القيادية قد وصل إلى سن الشيخوخة أو قد يواجهون تهم الفساد. وإذا فاز أحمدي نجاد فلن تكون هناك مساحة للخمينيين «المنتظرين» الذين يبدو حديثهم ثوريا، لكنهم يعيشون الحياة المترفة في أوروبا وأميركا الشمالية. وربما يقود فوز أحمدي نجاد طاقات الخمينيين إلى مشروع لغزو العالم، الأمر الذي قد يبدو خياليا لمن يعيشون خارج إيران، لكنه يجذب أولئك الذين يعتقدون بأن «الإمام المختفي» أوشك على الظهور مرة أخرى. وهو الأمر الذي يحفز أحمدي نجاد وقاعدته الثورية المتشددة على مواصلة تحدي الأمم المتحدة، معتقدين أن التحدي سوف يجلب النصر في نهاية المطاف.

كل هذه الانقسامات والصراعات المتعلقة بالمصالح والأفكار على الجانبين، خلقت شبكة من الخيوط المتشابكة التي يصعب حلها.

وإذا كانت الأمم المتحدة ستمنح النصر للرئيس أحمدي نجاد، فما تبقى مما يدعى «الشرعية الدولية» سيتبخر، على الأقل في المستقبل المنظور. ومن ناحية أخرى، إذا تمت تنحية أحمدي نجاد، حتى تستسلم الجمهورية الإسلامية، فإن العد التنازلي لسيطرة الحركة الخمينية على السياسة الإيرانية سوف يبدأ في الحال.

بمعنى آخر، لم يعد الأمر يتعلق بتخصيب اليورانيوم أو البرنامج النووي الإيراني بصورة عامة. ففي الوقت الحاضر، توجد ثماني دول تقوم بتخصيب اليورانيوم وهناك على الأقل نحو 20 دولة أخرى لديها الوسائل الصناعية والعلمية التي تمكنها من فعل ذلك دون إحداث أزمة دولية مع التهديد باندلاع حرب. وكذلك فإن هناك نحو ثماني دول لديها أسلحة نووية و15 دولة أخرى لديها الوسائل الصناعية والعلمية لصنع القنبلة النووية. ومرة أخرى، فإن أيا من هذه الدول لا تهدد بوقوع كارثة أو اندلاع حرب.

لكن الحالة الإيرانية مختلفة، لأن النظام الحاكم في طهران لا يبدو مشابها لجيرانه من الأنظمة الأخرى. وفي واقع الأمر فإنه لا يبدو مثل أي من الأنظمة البالغ عددها 192 نظاما تتكون منها منظمة الأمم المتحدة. ولذلك، فإن السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت الجمهورية الإسلامية مستعدة أو قادرة في واقع الأمر على أن تصبح مثل الدول الأخرى أم لا.

والمرجح أنه لن يتم حل النزاع بشأن تخصيب اليورانيوم حتى يحدث أي من الأمرين: إما أن تقرر إيران إحداث تغيير جذري لاستراتيجياتها المحلية والأجنبية، أو أن تقرر الإدارة الأميركية الجديدة، بقيادة باراك أوباما، أن إيران الثورية والمسلحة بالأسلحة النووية لا تمثل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة.

ولذلك يلعب الجميع على عامل الزمن. وفي هذه الأثناء، فإن الجمهورية الإسلامية تنتج المزيد من اليورانيوم المخصب الذي قد يمكنها من صناعة المزيد من القنابل.