مسيرة البركة

TT

يعامل الأميركيون (والعالم) برَّاك أوباما منذ الآن وكأنه الرئيس المقبل. وأرجو ألا يصحح لي المصحح طريقة كتابة الاسم الأول مرة أخرى لأن برَّاك كلمة سواحيلية تعني البركة، وهي عربية الأصل مثل معظم اللغة السواحيلية. ولا شك أن حسين أوباما اختار لابنه اسماً يحمل الحظ. وفيما يستعد برَّاك أوباما لدخول البيت الأبيض تجلس جدته لأبيه، في قرية نيانغومو ـ كوكيغلو، غرب كينيا، وتنتظر اليوم الكبير. وتمتلئ القرية بالأساطير والخرافات مثل كل مجتمعات الفقر. لكن كل المخيلات لم تصل إلى أن حفيد القرية سوف يصبح ذات يوم رئيساً على أميركا، يقارن بجون كينيدي وابراهام لنكولن، حماه الله من مصير الاثنين.

تعيش الجدة سارة في منزل حائر بين الفقر والبساطة. ويعيش أهل القرية (4500 شخص) من زراعة الذرة والفاصولياء، ولا يتعدى الدخل الشهري للفرد 20 دولارا.

للسناتور اوباما 8 إخوة من أب تزوج 4 مرات. وقد فقد والده، كما فقد أحد إخوته في حادث سير. وفي العائلة مذاهب وألوان كثيرة تكاد تصلح لأحد إعلانات «بنيتون» وألوانه. ولذا حاولت آلة الدعاية المضادة في الحزب الجمهوري التشكيك في هويته، أما هو فرأى في ذلك «مواطناً عالمياً متعدد العروق والأنساب شبيها بالعالم الحالي». وعندما خاض جورج بوش معركة الرئاسة لم يكن قد غادر التكساس إلا إلى المكسيك، عبر الحدود. لكن هذا الأسمر الأبيض المسلم المسيحي الذي نشأ في إندونيسيا وتعلم في هونولولو وهارفارد وعمل في شيكاغو وهارلم ورأى قرية والده في غرب كينيا وله أخ يعيش في الصين وخاطب إلى صينية، وله إضافة إلى كل ذلك جدتان، واحدة بيضاء في كانساس وواحدة في نيانغومو ـ كوكيغلو ـ، تعتمر اللفة الأفريقية العالية وتطبخ الموز، وتحمل المياه من النبع ـ هذا الخليط الساحر من الثقافات والعروق والهجرات، يكتسح الآن البلاد التي أرادها الرجل الأبيض فناء حديقته الأوروبية الصافي. ذبح الهنود على أنغام الهارمونيكا أيام الجنرال كاستر واسترق الأفارقة وأقام الأسوار في وجه اللاتينيين. وها هو يمشي خلفهم نحو البيت الأبيض ووزارة الخارجية ورئاسة الأركان على إيقاع النشيد الوطني.