من هنا جاءت الكلمات!

TT

كتب قليلة صدرت عن اللهجات العربية..

وأسهل الدراسات هي التي تعيد اللهجات العربية إلى اللغات القريبة منها.. أي إلى علاقات لغوية أو علاقات جغرافية..

ولكن هناك اعتبارات أخرى كثيرة تتعلق لا باللغة العربية أو بالكلمات أو التراكيب أو «العدوى»، وإنما تتعلق بالإنسان المتكلم نفسه، ولذلك فدراسة اللغة هي دراسة لإنسان يتكلم، فكما للإنسان حياة، فلكلماته حياة أيضاً.. ولذلك فبعض العلماء ينظرون إلى الكلمة على أنها كائن حي يقوى ويضعف ويؤثر ويتأثر، وتحت ضغط الحضارة يتطور ويعيش ويموت.. وربما كانت الدراسة التي ظهرت للدكتور عبد الرحمن أيوب عن «العربية ولهجاتها» ـ وهي مجموعة من المحاضرات ألقاها على طلبة البحوث والدراسات الأدبية واللغوية ـ هي دعوة إلى النظر إلى اللهجة على أنها تاريخ حياة شعب، أو شعوب. وهو بعد أن يعرض لنا مخارج الألفاظ والحروف عرضاً وافياً يتجه مباشرة إلى الكلمات الغريبة في لهجتنا المصرية، ويرد هذه الكلمات إلى أصولها في اللهجات العامية أو إلى اللغة الفصحى عند الدول العربية الأخرى.. وقد ضرب لذلك أمثلة كثيرة.. نحن نستخدم هذا التعبير: يشخط وينطر.. وبعضنا يتصور أن كلمة «ينطر» أصلها نثر ولكن في السودان نجد أن كلمة «نترره» بالتاء ـ أي عنفه وأغلظ له في القول.. فالكلمة المصرية أقرب إلى المعنى السوداني. ونستخدم «شرم برم» وهي من أصل عراقي؛ فالكلمة الأولى معناها: ممزق والكلمة الثانية معناها: أن النسيج أصبح خيطاً، ومعنى الكلمتين: التمزق. وتستخدم كلمة: متروس بمعنى مليان وهي كلمة عراقية أيضاً. وتستخدم كلمة بتاع.. بتاعي .. أي ملكي، وفي البلاد العربية الأخرى يستخدمون كلمى: تبعي..

وهناك كلمات كثيرة مستعارة من اللغات الأخرى كالإنجليزية والفرنسية والإيطالية والتركية والفارسية، فهذه الكلمات تركية: يادوب وبصمة ويبوخ وبايخ وبواخة.. وجزمة.. و«مفرفر» على نفسه من الضحك.. وأرز «مفرفر» أي مفلفل أي أن حباته متفرقة.. وغيرها كثير!!

والكلمات تشبه الطيور التي يطلقها العلماء وقد وضعوا في ساقها خاتماً به التاريخ والمكان الذي أطلقت منه، فإذا سقطت هذه الطيور في مكان آخر يبعد عن المكان الأصلي آلاف الأميال، عرف العلماء مسارها، ولماذا. والكلمات هي مثل هذه الطيور ومهمة العلماء أن يتلمسوا الخواتم في سيقانها ليعرفوا شيئاً جديداً عن الإنسان الذي هو حيوان ناطق!