الضامن والضمانة.. قراءة بين سطور اتفاقية لم توقع بعد: وجهتا نظر حول الاتفاقية الأمنية بين العراق وأميركا

TT

قبل الخوض في أي نقاش حول موضوع دقيق امتدت خيوطه اليوم إلى الشارع العراقي والعربي، وكثرت المقالات والندوات والأقاويل حوله، وكأنّ العراق هو أول بلد على وجه الأرض، وفي منطقة الشرق الأوسط ومن بين الدول العربية يقرر أن يرتبط بحلف صداقة مع دولة صديقة. ولكي تتوضح الصورة أمام الجميع، لا بد من تسليط بعض الضوء على ما جرى فعليا من أمور، لحد الآن.

فقد أعلن في نهاية العام الماضي عن توقيع دولة رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي والرئيس الأمريكي جورج بوش وثيقة مبادئ لتنظيم العلاقة بين العراق والولايات المتحدة تمهد لمباحثات رسمية من اجل التوصل إلى اتفاق ينهي حالة الاحتلال ويكمل السيادة العراقية.

ونصت الوثيقة على ما يأتي:

* أن يطلب العراق من مجلس الأمن الدولي تمديد وجود القوات الأجنبية وللمرة الأخيرة مقابل رفع البند السابع عن العراق.

* كما وتوضح الوثيقة في فقرتها الأخيرة بأن يدرج في قرار التمديد اعتبار الحالة في العراق أنها لن تعد تشكل تهديدا بعد انتهاء فترة التمديد المذكورة للأمن والسلام، مما يتطلب تصرف مجلس الأمن بشأنها وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وبما يعيدها إلى الوضع الدولي والقانوني السابق لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 661 الصادر في آب عام 1990

* وشددت الوثيقة على أن الموافقة على إلغاء التعامل وفق البند السابع سيكون شرطا أساسيا لتمديد عمل القوات لسنة واحدة وأخيرة وبما يفضي إلى الاعتراف والتأكيد على السيادة الكاملة للعراق على أراضيه ومياهه وأجوائه وسيطرة العراق على قواته وإدارة شؤونه السيادية والوطنية.

* ونصت الوثيقة أيضا على البدء بمفاوضات رسمية بين العراق والولايات المتحدة بهدف التوصل إلى اتفاق ثنائي يحل محل القرارات الدولية في مهلة تحدد بنهاية تموز من العام المقبل.

 ونتيجة لتحسن الوضع الأمني في العراق منذ بدء عمليات صولة الفرسان والتي أعقبت بعدد من الصولات الأمنية لملاحقة الخارجين عن القانون، جاءت هذه الوثيقة المؤشرة إلى ضرورة تماشي العملية السياسية في العراق وفق الهدوء والأمن الذي ساد والقانون ودولته الذي صار في مقدمة ما يميز الوضع الجديد في العراق.

 ومن هنا أصبح من الضروري تأطير وجود القوات الأجنبية داخل العراق خصوصا وانه لم توقع أي اتفاقية بعد سقوط النظام إلى الآن تحدد طبيعة هذه القوات والعلاقة بينها وبين الحكومة العراقية.

وعلى ضوء ما هو موجود الآن على الأرض، بإمكان أي قوة من هذه القوات الأجنبية أن تفعل ما يحلو لها على اعتبار انه ليست هناك أية مواثيق تنظيمية للعلاقة، لذلك جاءت هذه الاتفاقية لتحدد طبيعة العلاقة مع القوات الأمريكية، وأيضا جاءت لتخرج العراق من البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة وتلغي قرار 661 الذي صدر في آب 1990، ابان غزو صدام حسين للكويت وأصبح العراق تحت وصاية الأمم المتحدة.

ومن الضروري تذكير الجميع بأنه لحد الآن الأموال العراقية في الخارج مجمدة، ولم تتصرف فيها الحكومة العراقية ولم تودعها في مصارف عالمية، بل بقيت تحت الوصاية الأمريكية وفي داخل المصارف الأمريكية، وفي حال تم توقيع هذه الاتفاقية سوف ينفتح العراق في مفاصل أساسية ثلاثة، هي: المفصل السياسي والمفصل الاقتصادي والمفصل الأمني.

في المفصل السياسي تلزم هذه الاتفاقية الولايات المتحدة بدعم الحكومة العراقية وفي نهجها الديمقراطي كدولة عراقية ديمقراطية وكذلك تلزم الولايات المتحدة بالتعامل مع العراق وفق النظام الفدرالي في داخل العراق وأيضا تلزم هذه الاتفاقية القوى العظمى باحترام الدستور العراقي والتعامل مع العراق وفق سيادة عراقية تامة.

لقد جاءت هذه الوثيقة تتويجا لجهود الشعب العراقي في إصراره على السيادة التامة والاستقلال، على عكس ما يدعيه البعض من الذين سيقفون دوما ضد عراق قوي يريد الخير لأبناء شعبه ولجيرانه وللمعمورة كلها. وجاءت هذه الوثيقة لتتوج سيادة العراق المطلقة وعلى أميركا أن تتعامل معه كدولة صديقة، لا ان تتعامل معه كدولة محتلة. وأخيرا هذه الوثيقة لن تقبل إلا إذا تم التعامل مع العراق كدولة ذات شأن إقليمي ودولي كبير في المنطقة، وهو ما يرمي إليه العراق أولا وأخيرا.

العراق والفصل السابع: بداية، لا بد من التطرق إلى ما يسمى بالبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة ومناقشة التداعيات الناجمة عن وجود العراق تحت طائلة هذا البند. ولا بد أيضا من طرح مجموعة من التساؤلات حول أيهما أفضل للعراق الخروج من تحت طائلة هذا البند السابع ورفع الحصانة عن أمواله المودعة في صندوق تنمية العراق الذي أنشئ بعد عام 2003 بأمر رئاسي من الرئيس الأميركي جورج بوش؟ أم البقاء تحت طائلة هذا البند المجحف؟ ما هي الضمانات لعراق حر مستقل ويمتلك فرص التصرف بأمواله وممتلكاته كسائر الدول في العالم؟

هذه التساؤلات لا بد من التحدث عنها في إطار المعاهدة العراقية ـ الأميركية والتي لم يتم التوقيع عليها إلى الآن. إن البند السابع والخاص بالقرار 661 عام 1990 يعتبر العراق دولة مارقة تهدد الأمن والسلم الدوليين، نتيجة لممارسات النظام البعثي المقبور في التعدي على الدول المجاورة للعراق. وعليه فان قرارات مجلس الأمن هي التي بيدها مصير العراق وقرارات هذا المجلس ملزمة على العراق وبالتالي فان الأمم المتحدة تسيّر حياته ومصيرهُ بالنيابة عنه وتحول العراق إلى بلد بلا سيادة وطنية واقتصاده مرهون بالقرارات الدولية وعائدات نفطه تذهب إلى حساب خاص تشرف عليه الأمم المتحدة التي تحدد احتياجات العراق وتمول العقود من حساب العراق الخاص ولها كامل الصلاحيات للتصرف بأموال العراق وحسب ما تراهُ مناسبا، ويعود العراق إلى حالة الحصار القاسي. إن الطريقة الوحيدة لضمان اتزان المعادلة الخاصة بالعراق والحفاظ على أمواله من الدول التي تطالبه بتعويضات بغض النظر عما إذا كانت هذه التعويضات مبررة أم لا، هي من خلال السعي إلى استصدار قرار أممي جديد لحماية العراق أو توقيع اتفاقية مع طرف يريد التعامل مع العراق على قدم المساواة، ومن هنا جاءت هذه الاتفاقية التي ستتم مناقشتها في المجلس النيابي العراقي ليقول العراق رأيه النهائي فيها. ومن كل ما تقدم، نورد النقاط الآتية التي هي مؤشرات لما لنا وما علينا في هذا «الضامن» الجديد:

إن السياسي الجيد من يستطيع أن يخلق رأيا عاما بخصوص أي موضوع مهم يتعلق بمصالح البلد.

* الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية إذا استطاعت أن تنقل العراق إلى الأفضل فلا بد من إمضائها.

* العراق بين مطرقة إيران وسندان بعض العرب وسيبقى العراق ساحة للتنافس والصراع والتناقضات الإقليمية والدولية واعتقد أن الاتفاقية ستكون هي الضمانة لمنع هذه التدخلات.

* الكرد مع الاتفاقية علنا وسرا، والعرب الشيعة معها علنا وضدها سرا، والعرب السنة معها سرا وضدها علنا.

* العراق إذا أراد أن يطور مؤسساته ويبني دولة حديثة يحتاج الى حلفاء أقوياء، وكثير من الدول التي تقودها أنظمة سياسية راديكالية متطرفة ومتشددة تتمنى هذا النوع من الاتفاقيات مع الولايات المتحدة الأمريكية.

* ما يعلن في وسائل الإعلام ليس بالضرورة هو ما يعبر عن التوجهات الحقيقية لهذه الأنظمة، والمواطن أصبح يعرف جيدا أن المزايدات والشعارات سوف لن تحسن الكهرباء ولا تطور قطاع الطاقة (النفط) ولا توفر المشتقات أو أن تتحسن الظروف المعيشية للمواطن إلا من خلال نظام جديد لإدارة الموارد في هذا البلد ولا بد من حلفاء لمساعدة العراق للنهوض بالواقع الاقتصادي والاستثماري.

* جهود الإعمار، أنت لا تستطيع أن تحصل على كل شيء أو أن تحرم من كل شيء، ومن يفكر مليا بخلق توازن بين واقع ما نعيشه وما نطمح إليه وأن اعتماد وتطوير جدول زمني لتخفيف عديد القوات الأجنبية الموجودة على الأراضي العراقية ضروري ومهم لاستكمال متطلبات السيادة وهذا ما يوفره فقط وجود اتفاقية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية.

* إن التأثير السلبي لتواجد عصابات القاعدة والمليشيات الطائفية والخارجين عن القانون لفترة طويلة سيكون له أثر وتداعيات كبيرة، سوف تظهر في المستقبل حتى وان تمكنا من هزيمة الإرهاب والمليشيات الآن.

* لا بد للقيادات السياسية والأحزاب التي عاشت ظروف العمل السياسي كمعارضة للنظام الدكتاتوري السابق، أن تعي أنها أصبحت أمام مسؤوليات كبيرة وتحديات صعبة في بناء عراق ديمقراطي عراق حر اتحادي مزدهر وهذه التحديات تحتاج إلى رجال دولة قادرين على المواجهة والبناء لا أن تبقى أسيرة ومحاصرة بالظروف السابقة عندما كانوا يعملون كمعارضة، فالدولة الحديثة لها رجالها وأولوياتها وتوجهاتها، ولا بد من النهوض في عملية بناء الدولة واستثمار الموارد الكبيرة لهذا البناء.

* هذه الاتفاقية لأول مرة ستخرج العراق من بؤر التوتر الإقليمي.

* إن الأسلوب المثالي للخلاص من حالة الإجحاف المتمثلة باستمرار خضوع العراق للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة يكون عبر اتفاقية بين العراق المستقل ذي السيادة الوطنية المطلقة والولايات المتحدة الأميركية، فيفترض على الحكومة العراقية دراستها بشكل متأن لتلافي الثغرات.

* وفي واقع الأمر، لم يتوقع احد أن يدوم الاحتلال هذه الفترة الطويلة وتصورنا بسقوط النظام البعثي، أن تقام حكومة وطنية جديدة تمسك بزمام الأمور والملفات الأمنية والاقتصادية والعسكرية وبرامجها التصحيحية لما جرى من ضيم على الشعب العراقي، ويفترض أن يتم الخروج من البند السابع أن يكون بصورة طبيعية ويأخذ بنظر الاعتبار السيادة العراقية، والسيادة العراقية منقوصة سواء في الملف الأمني او الملف الاقتصادي أو الملف العسكري ويفترض أن تكون هناك خطة واضحة وملزمة ممكن أن يشترك فيها العقل العراقي وان يتوسع العقل العراقي في إدراك هذه الخطة وان يضع النقاط على الحروف ويأخذ الاحتياطات اللازمة من اجل السيادة التي يمكن أن يحصل عليها العراق نهاية عام 2008.

* أخيرا تسلمت تسع محافظات الملف الأمني والديوانية والأنبار في الطريق ويفترض على الحكومة العراقية أن تكون على بينة من قدراتها الأمنية والاقتصادية والعسكرية.

* إن هذه الوثيقة هي في الواقع إعلان مبادئ لعلاقة تعاون تتبعها اتفاقية تعاون وصداقة ودعم وتبادل خبرات. وما أحوج العراق إلى مثل هذه الاتفاقية مع من لا يطمع فيه.

* إعلان المبادئ تم طرحه على نواب الشعب العراقي في البرلمان الذي يمثل الشعب العراقي بكل أطيافه وقومياته وانتماءاته المختلفة، ولن يتم التوقيع على الاتفاقية إلا بعد قبول نواب الشعب.

* لو قرأنا الفقرة قبل الأخيرة من المبادئ هذه نجد أن العراق يخاطب كند للولايات المتحدة الأمريكية، وليس كخاضع او تابع.

* لا توجد قوة ضغط من طرف على آخر وهذه الوثيقة تتكلم بصراحة عن أن العراق لا يشكل تهديداً للسلام والأمن الدولي وما ينتج عن ذلك من إنهاء تصرف مجلس الأمن بشأن العراق وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وإرجاع العراق الى وضعه السابق القانوني، معززا بذلك السيادة العراقية الكاملة.

* في الوثيقة إلزام أمريكا بإسقاط الديون عن العراق من قبل الدول الأخرى.

المادة الثانية من البند الثالث من هذه الوثيقة تنص على مساعدة الحكومة العراقية في مساعيها بمكافحة جميع المجموعات الإرهابية والخارجين عن القانون بغض النظر عن انتماءاتهم، وهي مسألة تحددها الاتفاقية ذاتها.

* تعتبر هذه الوثيقة وثيقة دولية وستكون تحت رعاية الأمم المتحدة وبموافقتها وضمن المواثيق الدولية وسنلزم أمريكا بهذه الوثيقة بإرادتنا وإرادة مجلس النواب العراقي والحكومة.

نتساءل، ومن حقنا ذلك:

* أليست الحكومة العراقية والشعب العراقي بحاجة الى العون والدعم والمساعدة من قبل قوة دولية فاعلة على ارض الواقع لتؤمن لها الأرضية القانونية والدستورية لتخرج من أزمتها ومعاناتها التي توارثتها عن النظام السابق والمتراكم السلبي لسنوات الخمس الماضية ؟

* هل هناك قوة غير الولايات المتحدة تستطيع مساعدة العراق في ذلك؟

* نستغرب من أن دولاً كثيرة تنتقد مثل هذه الاتفاقية وفي نفس الوقت تطمع في صداقة أمريكا لما لذلك من ميزات نحن في غنى عن ذكرها هنا، وليس أولها ولا آخرها الميزات الاقتصادية.

* لو نظرنا اليوم إلى دول مثل كوريا الجنوبية وألمانيا واليابان ماذا نرى اليوم؟ نرى دولا ترفل بالسلام والتقدم التكنولوجي والاجتماعي والاقتصادي والعلمي، ونسأل، من الذي دخل في حروب مع تلك الدول ابان الحرب العالمية الثانية؟ ألم تكن أمريكا هي الدولة المحاربة؟ وماذا تمخض عن اتفاقياتها مع تلك الدول؟ هل نرى فيها بؤسا ودمارا وعوزا وتشردا وملايين من المهجرين واقتتالا طائفيا وجوعا وتأخرا؟ ألا تحتاج هذه الاتفاقية إلى نظرة من زاوية أكثر ليونة من الزاوية التي نجابه بها من قبل مجموعات لا تريد للعراق إلا أن يعيش في بؤس إلى يوم الدين؟ من كل ما تقدم، نطالب الحكومة العراقية الموقرة بأن تضع مصلحة العراق الأمنية والاقتصادية والتكنولوجية أولا وأخيرا.. ونطالب المواطن بأن يعي حقيقة مركزية مفادها أن الولايات المتحدة تتعامل معنا حتى في مفاوضاتها كند ومقابل، لا كدولة مستعمرة أو محتلة.

* وزير الداخلية العراقي