هلاهل يهودية

TT

نظمت الجالية اليهودية العراقية في لندن بقيادة نيران بصون تمن وادوين شكر مهرجانا بعنوان «هلاهل» احتفالا بتراث الطائفة اليهودية في العراق التي تعتبر أقدم وأبرز الطوائف اليهودية في العالم.

يرجع تاريخها لأيام السبي عندما سبى الملك البابلي نبوخذ نصر القدس واقتاد أبناءها أسرى إلى بابل. وهناك امتصوا التراث البابلي الغني ودمجوه بتراثهم الديني وبنوا منهما كيان ديانتهم وحضارتها.

تضمن المهرجان مواد متنوعة امتدت من السياسة والتاريخ إلى الموسيقى والفنون. وشاركت فيها شخصيات بارزة من إسرائيل وبريطانيا في كل هذه الميادين يجمعها شيء واحد هو جذورها العراقية. فاليهود العراقيون، على خلاف الجاليات اليهودية الأخرى، لا يستطيعون التخلص من جذورهم العراقية وحنينهم إلى بغداد والبصرة. الموسيقية سارة منشي، ترك أهلها العراق في القرن التاسع عشر وسكنوا الهند حيث ولدت سارة ونشأت ثم هاجرت لبريطانيا ولم تر العراق بعينيها ولكنها رغم ذلك كرست حياتها للموسيقى العراقية وشكلت فرقة موسيقية بعنوان «أنهار بابل».

النواح والمناحة جزء أساسي من الشخصية العراقية. وهكذا تضمن البرنامج كثيرا منها، مأساة الفرهود والتسقيط وكل ما عاناه اليهود العراقيون من اضطهاد منذ تفجر المشكلة الفلسطينية في الثلاثينات.

سمعت الكثير من ذلك وتحدثت مع الكثيرين منهم، ولكنني لاحظت دائما غياب العنصر الفلسطيني من محاوراتنا. لا أنا أقحمه في الحوار ولا هم يتعرضون إليه. كلنا نتحاشاه.

هذه نقطة مهمة عندي. فعلى خلاف بقية اليهود الشرقيين، تميز اليهود العراقيون بالنضوج السياسي والفكري وبالروح اللبرالية واليسارية. الكثير منهم شيوعيون. والمجتمع الإسرائيلي يولي احتراما خاصا لهم كأحفاد بابل. كان المتوقع منهم أن يلعبوا دورا مؤثرا كجسر بين العرب وإسرائيل وفي توجيه حكومتهم نحو التفاهم مع العرب وتحقيق السلام واحترام حقوق الفلسطينيين. ولكن هذا لم يحدث مع الأسف. دعاة السلام وأصدقاء الفلسطينيين جلهم من الغربيين الاشكنازي. الشرقيون يساندون اليمين. وأصبحت هذه المساندة عقبة ضد تحقيق السلام. فاليمين المتطرف يفوز بأصوات الشرقيين.

أستطيع أن أفهم ترددهم في ذلك بادئ ذي بدء. كان عليهم أن يثبتوا للأشكنازيين الأوربيين ولاءهم وحماسهم للدولة وانفصامهم التام عن أوطانهم العربية الأصلية. ولكن وبعد مرور ستين عاما على تأسيسها وهجرتهم إليها وما قدموه لها من إخلاص وما تولوه من مناصب ومهمات، لم يعد هناك في إسرائيل من يشك بولائهم. إنهم في الواقع أكثر حماسا لها من الاشكنازي. لقد آن لهم أن يتكلموا وينطقوا بالحق وبالدعوة للتفاهم مع العرب على أسس العدل والإنصاف والاعتراف بأخطاء الطرفين وذنوبهم. عليهم أن يفعلوا ذلك من أجل مستقبل إسرائيل ومستقبل أولادهم وأولاد كل سكان المنطقة.