نكسة للسودان

TT

مجرد التلويح بإمكانية أن يطلب ممثل الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية من قضاة المحكمة إصدار أمر بإلقاء القبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم في حق الإنسانية في إقليم دارفور، فإن ذلك يعد نكسة وضربة قوية للدولة السودانية.

طبيعة المحاكمة، ونوعية الجرائم، تجعلها شبيهة بمحاكمة الرئيس الصربي السابق ميلوشوفيتش، الذي اتهم بارتكاب جرائم بحق المسلمين في يوغوسلافيا، والمؤسف أن كثيرين يتجاهلون أن الغالبية الساحقة من سكان دارفور مسلمون أيضا، وإن كان لا شيء يبرر الجرائم سواء كان الضحية مسلما أو غير مسلم.

التلويح باسم الرئيس السوداني، والذي قد يتحول إلى اتهام رسمي، سيكون نكسة لجهود الخرطوم في عودة الاستثمار والاستقرار، وبالتالي سيضع الدولة السودانية في مأزق دولي. فاتهام رئيس الدولة بهذا النوع من الجرائم سيضع الدولة، والنظام كله على كف عفريت، خصوصا أن خصوم النظام في الداخل أكثر من خصومه في الخارج.

ردود الفعل الانفعالية الصادرة من الخرطوم متوقعة، إلا أن هناك خوفا من أن يقودهم انفعالهم إلى تأزيم الأوضاع أكثر. وخير مثال على ذلك ما صدر من قبل مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبد المحمود عبد الحليم حين شن هجوما شديد اللهجة على المدعي العام واصفا إياه بالرجل المعتوه والمجرم الحاقد.

الارتباك السوداني واضح والدليل الاستنجاد السريع بالجامعة العربية لطلب عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، ولا أعلم ما الذي يمكن أن يقدمه العرب للحكومة السودانية بعد أن أصرت على إهمال ترتيب أوضاع البيت الداخلي طويلا، خصوصا وأن أزمة دارفور تجاوز عمرها قرابة الخمس سنوات من دون حلول فعلية، رغم تزايد الضغوط الدولية.

كان بوسع النظام السوداني أن يجنب نفسه الكثير لو قام بمعالجة الأزمة بإنسانية وتعقل، بدلا من العناد ومقارعة المجتمع الدولي. ما لم تدركه الخرطوم هو أن المشاكل الداخلية متى ما اكتسبت طابعا دوليا فمن الصعب حلها من دون دفع ثمن باهظ، حيث تتداخل معها ملفات أخرى، وتصبح أكثر عرضة للمساومة والتعقيد.

لو أن الخرطوم، وتحديدا نظام البشير، سارعا للتصدي لموضوع أزمة دارفور بحلها وحقن الدماء السودانية البريئة، ومشى النظام السوداني فعليا في خطوات المصالحة الداخلية وحل أزمة الجنوب بعقلانية، لكان وضع السودان اليوم أفضل بكثير.

الواقع اليوم يقول إن السودان ونظامه السياسي قد تعرضا لنكسة، بل إنها ضربة عنيفة لا يمكن التقليل من خطورتها، وما قد يترتب عليها. ومن المهم التذكير بأن التصرفات واللغة الانفعالية لن تقدم حلولا على الاطلاق، بل قد تعقد الأمور أكثر.

ففي حال وجه الاتهام فعليا إلى الرئيس السوداني عمر البشير، لتكون أول مرة يطالب فيها بمحاكمة رئيس عربي على جرائم حرب، فعندها يكون السودان قد دخل في منعطف خطر، وستكون تبعاته مكلفة، وستكون البلاد ككل مرشحة لمزيد من الأزمات.

[email protected]