على شمال الدنيا

TT

في مثل هذا الوقت من العام تفيض البيوت العربية بالحديث عن عطلة الصيف. الى اين نذهب؟ الى البحر ام الى الجبال؟ ثم يتوق الخيال الى رحلة ثقافية لاكتشاف سور الصين العظيم او للبكاء على مآثر العرب في الاندلس. وفي النهاية تنتصر ارادة الاولاد، خاصة بعد عام دراسي مشحون بالقلق وانتظار نتائج الامتحان.

امضيت ساعات في قراءة الكتب والمنشورات، ولم اهتد الى مقصد يثير فضولي الى ان خدمتني الصدفة. وقعت على معلومة عن اقدم برلمان في اوروبا واكتشفت انه في جزيرة على شمال الدنيا: ايسلندة التي لا يزيد تعداد سكانها عن 300.000 نسمة.

اقدم برلمان يوجد في دولة بلا جيش ولا اسلحة نووية ولا تلوث بيئي من اثر الصناعة. واستمرت المفاجآت حين اكتشفت ان ايسلندة هي الدولة الاكثر تنمية في اوروبا رغم انها ليست عضوا في الاتحاد الاوروبي.

شعرت بانشراح وانا اقرأ ما يقال عن سكان أيسلندة. فهم يزدادون ازدهارا رغم انهم لا يمتلكون من الثروة سوى ما يجود به البحر من اسماك، اضافة الى دخل يأتيهم من السياحة.

هم بقايا الفايكنج، غزاة الشمال. ورغم ان الفايكنج القدامى كانوا غزاة وقتلة، فإن الفايكنج الجدد مسالمون ويصفهم البعض بأنهم سعداء جدا. فإما ان السعادة سببها قلة الزحام او قلة الحروب او ربما يكون السبب هو اكل الاسماك بكثرة والله اعلم. ولكن اطرف المعلومات عن ايسلندة هي ان الماء الساخن متوفر في البيوت بالمجان لأنه يخرج من باطن الارض ساخنا بسبب البراكين. حين اقترحت ايسلندة كمقصد سياحي على اسرتي قوبل الاقتراح باستنكار شديد. فمن قائل ان المصيف يعني الدفء والبحر والشواطئ الرملية لا جزيرة نائية في شمال اوروبا تهددها البراكين والزلازل بضراوة وتأبى الطبيعة ان تعقد معها هدنة حتى في الصيف، الى اقتراح آخر يقضي بإرسالي في بعثة خاصة الى هناك حتى اشبع فضولي، ثم نفكر في المصيف الحقيقي.

قنعت من الغنيمة بالاياب، ولكن ليس قبل ان اضيف الى معلوماتي السابقة معلومة طريفة عن الموروث الشعبي هناك. اكتشفت ان 3% من السكان اقروا بأنهم التقوا وجها لوجه بمخلوقات اسطورية صغيرة وشقية تظل غير مرئية الا فيما ندر. تلك المخلوقات يسمونها بالإلف بكسر الالف وتسكين اللام. وفيما يقر هؤلاء بأن الالف موجود حقا يرفض 54% من السكان ان يصدق او ينكر وجودها.. والسبب فيما يبدو ان الالف اصبح جزءا من الاحساس بالوجود، قوم يعيشون بأمان في عالمهم غير المرئي مع السكان.. ومن دلائل هذا التعايش السلمي ان اصحاب البيوت ذات الحدائق يتركون مربعا من الحديقة المزروعة من دون فلاحة حتى تطول الحشائش فيه والنباتات فيتمكن الالف من الاختباء فيها بلا خوف من ان تحصده ماكينات قص النباتات. ومن يشذ عن هذا التقليد تلحق به لعنة الالف وفقا للموروث الشعبي. ويعزو المحللون تلك الظاهرة الى أن الموروث الشعبي الايسلندي مرتبط بمعتقدات وعبادات سبقت دخول المسيحية، وربما يكون السبب هو ان تفاعل الناس مع الطبيعة أقوى من تفاعلهم مع بعضهم بعضا، خاصة ان المساحات شاسعة والبيوت تفصل بينها مسافات لا تسمح بتواصل الجار مع الجار كما هو الحال في المدن الحديثة المزدحمة.

مع أطيب تمنياتي لعشاق البحر والشواطئ الرملية.