عبد الشفيق

TT

إن لدي تصوراً أو فلسفة في الحياة.

هي تبدو للوهلة الأولى نمطيّة أو بمعنى أكثر دقة هي: (سطحية)، تلقائية، عادية.. ولكنني مع ذلك ارتضيتها لنفسي وتعايشت معها، بل وكتبتها بأحرف من ذهب وعلقتها على رصيف الحياة (المتعرّوج).

لا أريد أن آخذكم في متاهات المنطق والتفسيرات والتحليلات، لأنها بقدر ما تضيق بي ذرعاً، فأنني أيضاً أضيق بها (ذراعات)، لهذا ما فتئت في كثير من الأحيان على تشديد الخناق على عقلي، وإطلاق العنان إلى نفسي التواقة دائماً إلى الحرية والحب والركض والنوم ومصارعة الأمواج كنوع من أنواع اللعب لا أكثر ولا أقل.

أعترف أنني أعشق ذاتي أحياناً إلى درجة الجنون، وأتوق إلى تدليها وملاطفتها والأخذ بيدها إلى الاكتشافات اليومية البسيطة.. فعلى سبيل المثال اكتشفت معها اليوم طعم (الغبار) العالق بالهواء، إلى درجة أنها عطست وعطست معها كذلك.

أكره جداً التعقيد، وأقف ذاهلا أمام صّناع السلاسل والحبال والحصون والقلاع والحراسات والكراهيات والخوف من (الحياة والموت) معاً.

لماذا كل هذا؟!

فعلا لماذا كل هذا؟! إذا كنا قد أتينا إلى هذه الدنيا رغماً عن أنوفنا، فعلينا على الأقل أن نتعايش معها كأنداد، صحيح أنها أطول وأكبر وأقوى منا بمراحل، ولكننا نستطيع أن نفعل بها شيئاً لو أردنا، وليس شرطاً أن يكون ذلك الشيء خارقاً.

ما أروع أن تضحك على الحياة، وان (تبلفها) وتسخر منها، وتسخرها لفرحك وملذاتك وغزواتك وحتى إلى صغائرك الساذجة والبريئة بل والخبيثة كذلك ـ غير الضارة لك أو للآخرين ـ.

هل فكر أحدنا بقيمة الهواء مثلا أو الماء أو الأصدقاء أو العائلة أو الصحة أو البيت أو الزهور أو الطريق الممهد أو رمال الساحل في وقت الصيف أو لذة الحطب والجمر في وقت الشتاء أو مهرجان الشهب بالسماء في ليل حالك السواد حيث لا قمر ولا سحاب أو نعمة الغناء والموسيقى التي تنتشل الإنسان من قيود الأرض وتصعد به مخترقة طبقة (الأوزون)؟!

هل جرب أحدكم (مرمطة) الحب، هل صعقته (الكهرباء) يوماً عندما لامست شفتاه كف حسناء لا هي من الإنس ولا من الجن؟!

هل ذاق طعم الدمع، هل شرق بالحزن النبيل، هل جرفه حنين الذكريات، هل تعايش مع المحرومين، هل احتوى بصدره الدافئ إنسانا بعيدا عنه لا يعرفه ولا يرجو منه أي شيء، هل حاول أن ينمي في أعماق ذاته أروع نزعة في ضمير أي إنسان، ألا وهي عاطفة (الشفقة) التي هي في نظري أجمل وابلغ حتى من عاطفة الحب نفسه؟!

ليس هناك في الدنيا كلها من أولها إلى آخرها أعظم من أن تشفق على إنسان أو حيوان أو نبات أو حتى جماد، وأن تهب مشاعرك وتبددها وتذبحها فداء له دون أي ثمن ترتجيه.

إنني لست بإنسان مثالي، وأبعد ما أكون عن المثالية، ولكنني متيم بالدفاع عن لغز الحياة الذي أربكني من أول يوم سقط فيه رأسي على التراب، ولا زال يربكني إلى آخر يوم سوف (يندفس) فيه رأسي تحت التراب.. يا ليت أهلي أطلقوا عليّ اسم: عبد الشفيق.

[email protected]