السودان: وإذا ما التأم جرح!

TT

اعتاد والدي البحار في آخر حياته أن يسرد علينا ذكرياته مع البحر، وكيف كان يبحر بمركبه الشراعي من ميناء مدينته جدة إلى بورسودان أو سواكن ليعود محملا بالسمسم، والفول، والذرة، والعطور، والبخور، وهدايا المحبين، وكان يسهب في الحديث عن السودان السعيد، وناسه، وأنسه.. هكذا رسم والدي السودان في خيالاتنا بحرا، ومجدافا، وموالا، ومركبا، ولم نكن نريد أن نعكر مزاجه بإخباره عما آل إليه حال السودان، وكيف غدا البلد الذي كان يهاجر إليه الآخرون للتعلم والكسب مهاجرا في قلوب أبنائه في كل أصقاع الدنيا، وأن السوداني السعيد كسرت قلبه رياح الغربة والحظوظ العواثر..

هذا هو السودان:

وصفوه بسلة الغذاء فتآمرت عليه المجاعة..

نعتوا حياته بالسكون فاشتعلت في جوانبه الزوابع..

فانطبق عليه القول:

«وإذا ما التأم جرح ... جد بالتذكار جرح».

أكتب هذه السطور وقد فرغت لتوي من قراءة خبر اعتزام مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو طلب إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير استنادا إلى أدلة جديدة على جرائم ارتكبت خلال السنوات الخمس الأخيرة ضد مدنيين في دارفور، وكذلك إعلان الجامعة العربية أنها ستعقد جلسة استثنائية استجابة لطلب السودان لبحث مستجدات الوضع بينه وبين المحكمة الجنائية، رغم أن الجامعة العربية لا تملك الكثير من الأوراق في مواجهة القرارات الدولية، وقد يكون لجوء السودان إلى الجامعة العربية في هذه المرحلة من الأزمة هو لجوء في الوقت الضائع..

أسوأ القراءات حول مستقبل السلام في السودان يمكن أن تحدث لو نجح المدعي العام في استصدار مذكرة التوقيف بحق الرئيس عمر البشير، فصدور مثل هذه المذكرة يعني في كل الأحوال موت عملية السلام، فلا أحد يتوقع من الرئيس البشير أن يسلم نفسه طواعية، وفي هذه الحالة لن يكون أمامه سوى المواجهة.. وكسابقة هي الأولى من نوعها فإن من الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور، وإن كانت المواجهة غير متكافئة سلفا.

اليوم من حق السوداني وحده أن يتساءل:

ـ يا وابور قل لي رايح على فين؟!

[email protected]