الاتهام الذي هز السودان والمنطقة

TT

بعد خمس سنوات، وثلاثمائة ألف قتيل في مجازر دارفور، وجهت التهمة للرجل الأول في السودان، الرئيس عمر البشير. وقع الخبر كالصاعقة في الخرطوم، بعد أن كانت التخمينات تشير الى متهمين حكوميين أقل درجة. الآن النظام السوداني يطالب باجتماع عربي طارئ، والتدخل لمنع محاكمة الرئيس، ويهدد المعنيين في العالم بالويل والثبور.

هنا دعونا نتحدث عن هذه القضية المهمة جدا، ليس للسلطة، والسودانيين فقط، بل لكل المنطقة، خاصة أن ذكرى اسقاط صدام من رئاسة العراق لاتزال حاضرة في الأذهان. هل في الدعوى عنصرية، أو كيدية سياسة ضد المسلمين، كما يقول وزراء البشير؟ وكيف سيتصرف النظام السوداني حيال المحاكمة؟ وقبل ذلك ما هو موقف الجامعة العربية التي نودي عليها بالتدخل؟

الجامعة العربية في حقيقتها جامعة لرؤساء الدول العربية، ومن الطبيعي أن تهب للدفاع عن الرئيس السوداني، مشكلتها أنها مؤسسة بلا قيمة عسكرية أو نفوذ سياسي، وكل ما تستطيع فعله ان يصدر وزراء الخارجية بيانا لتطييب خاطر الرئيس البشير بالاستنكار وحسب. ولنتذكر أن الجامعة العربية لم تبال بإبادة ثلاثمائة ألف سوداني في دارفور، ورفضت حتى الوقوف دقيقة صمت على ما حدث من حرق وتهجير وقتل. أما ملاحقة رئيس الجمهورية فإن الجامعة العربية تعتبره ظلما وعدوانا.

هنا على الزعماء العرب أن يدركوا أنهم من همش الجامعة العربية، حتى صارت بلا احترام شعبي، ولا وزن دولي. لو أن القيادة السودانية أعطت الجامعة آنذاك فرصة لإصلاح مشاكل دارفور لوجدت اليوم حليفا شرعيا وقويا ومحترما إلى جانبها. والسودان، على أية حال، ليس الوحيد الذي همش الجامعة العربية، وكسر أسنانها، بل جميعهم فعلوها بشكل او بآخر، وهذه هي النتيجة.

أما ما قيل بأنها دعوى عنصرية او دينية فإن الشواهد تقول العكس، لأن جميع ضحايا دارفور هم سودانيون مسلمون. أيضا الرئيس البشير ليس الرئيس الأفريقي الوحيد الذي اتهم في تاريخ المحكمة، فقد سبقه تشارلز تايلر رئيس ليبيريا الموجود هناك. كما ان المحكمة ادانت مسيحيا من قبل، هو رئيس الصرب سلوبودان ميلوشفتش، بتهمة جرائم إبادة ضد المسلمين. ميلوشفتش مات في السجن لاحقا.

ولا نتوقع من الرئاسة السودانية ان تتعامل قانونيا ومنطقيا لدفع الدعوى واثبات البراءة، كما يفعل المتهمون عادة في المحاكم، بل سنرى خطوات عدائية في البداية. ستبدأ بالسخرية من المحاكمة، ثم رفضها، وبعدها بالتهديد بالانتقام داخليا ضد القوات الدولية المختلطة، وسيليها التهديد بتنظيم القاعدة ضد الخارج، وبعد أن تفشل سيبدأ البحث عن وساطات مؤثرة، والاستعانة بمكاتب محاماة دولية، وهكذا.

وقد لا يكون للحكومة، او الرئيس يد او اصبع في مذابح دارفور، وانها قد تكون بالفعل نتيجة صراعات قبلية بسبب المجاعة، لكنها تبقى مسؤولة عن كيفية معالجة الازمة منذ خمس سنوات. فهي حتى اليوم لا تعترف بان الجرائم قد وقعت رغم ضخامة الادلة، واكثر من مليون هارب في مخيمات يعيشون على الحماية والمساعدات الدولية. السلطة اعتادت منذ انقلابها واستيلائها على الحكم قبل نحو عشرين عاما على اشغال البلاد في المعارك، وتهميش كل القوى السودانية. الآن بعد ان انقلبت الأمور، وصار الرئيس ملاحقا دوليا، بدأت تحثهم على التعاطف والتضامن.

[email protected]