أسلوب الجهاد الوطني عند السادات

TT

اشتهر اسم محمد أنور السادات في الأربعينيات من القرن الماضي حين ورد اسمه ضمن المجموعة التي قامت في مساء الثلاثاء 6/1/1946 باغتيال أمين عثمان وزير المالية السابق بوزارة الوفد بإطلاق النار عليه أثناء دخوله مقر نادي الرابطة المصرية البريطانية في شارع عدلي باشا، وظل أنور السادات يذكر بفخر اشتراكه في هذه الجريمة، مؤكدا أن أمين عثمان كان يستحق ما جرى له، ومن حيثيات هذا الاستحقاق أن أمين عثمان كان معروفا بصلاته الوثيقة والمريبة بالمحتل الإنجليزي وكان لا يتوانى عن استفزاز مشاعر المصريين بعبارات جارحة منها قوله إن مصر قد تزوجت من إنجلترا زواجا كاثوليكيا لا طلاق فيه.

وقد جاء اشتراك أنور السادات في جريمة اغتيال أمين عثمان تلبية لتبنيه وسيلة «الاغتيال السياسي» في منظوره للجهاد الوطني، فكما هو مذكور في كتاب «السلام الضائع في كامب ديفيد»، يقول مؤلفه محمد إبراهيم كامل إن أنور السادات كان يرى أن الطريق الفعال لتحقيق أهداف المقاومة السرية ضد الاحتلال الانجليزي تكون بالقضاء على الزعماء المصريين المتعاونين مع الإنجليز، وعلى ذلك اقترح على المجموعة السرية، التي كانت تضم من بين أعضائها محمد إبراهيم كامل وحسين توفيق، اغتيال النحاس باشا رئيس حزب الوفد، لدوره المشين في حادث 4 فبراير 1942، وتمت الموافقة على الاقتراح ووضعت خطة لتحقيق تلك العملية وتمت المحاولة في نهاية 1945 لكنها باءت بالفشل، مما أدى إلى أن تتوقف المجموعة السرية عن نشاطها لشهور، إذ اتخذت أجهزة الأمن بعد الحادث تدابير أمنية مشددة.

ويذكر محمد إبراهيم كامل، أن قضية أمين عثمان، التي عرفت بـ«قضية الاغتيالات السياسية الكبرى»، كانت قضية شهيرة اشترك في الدفاع عن المتهمين فيها فطاحل المحامين، وكان هناك تعاطف شعبي واسع النطاق مع المتهمين حيث كانوا من الشبان صغيري السن، وكان الشعور الوطني ضد الانجليز فياضا، وقد لمع فيها اسم أنور السادات حيث كان التركيز عليه لأنه كان لافتا للنظر بحركاته وصوته الجهوري، فضلا عن تصديه لمرافعة النائب العام بالهتاف بشعارات وطنية أثناء المحاكمة، وظلت هذه القضية هي الموضوع المحبب لدى السادات بعد توليه رئاسة الجمهورية، فكان يتلمس الفرص ليشير إليها في عشرات من خطبه، وأحاديثه مع الصحافة كبرهان عملي على كفاحه الوطني من أجل مصر والذي بدأه وهو في شرخ شبابه،(مذكور عند محمد إبراهيم كامل، السلام الضائع في كامب ديفيد، صفحات 12، 13، 18، 19).

ولقد سمعت أنا، بشحمة أذني، افتخار السادات بأنه شارك في اغتيال أمين عثمان، مساء الثلاثاء 6/1/1946، مبررا ذلك بقوله:« وده كان بعد تصريحه بأن علاقة مصر بإنجلترا علاقة زواج كاثوليكي»، وكان ذلك في مطلع عام 1966 عندما جاء إلى نيويورك، وهو رئيس مجلس الأمة، واجتمع بعدد من الشخصيات المصرية والمسؤولين العاملين بالهيئات الدبلوماسية المصرية والدولية وبلفيف من الطلبة المصريين الدارسين بالجامعات الأمريكية، وكنت من الحاضرين أجلس إلى جوار الصديق الكبير عبد الحميد عبد الغني، رحمه الله، وكان وقتها يشغل منصبا كبيرا بالأمم المتحدة، وشغل بعدها منصب رئيس تحرير «أخبار اليوم»، وحين باغتنا السادات بافتخاره المعيب انتفض الأستاذ عبد الحميد عبد الغني وقال لي هامسا «ده كلام؟ حد يفتخر بأنه قاتل؟».

الملاحظ أن السادات شارك في قتل أمين عثمان يوم الثلاثاء السادس من شهر يناير، وجاء مقتل أنور السادات، بعدها بسنوات كثيرة، في يوم الثلاثاء السادس من شهر أكتوبر، ولعلها حكمة القصاص: العين بالعين والثلاثاء بالثلاثاء والسادس من الشهر بالسادس من الشهر، ومن قتل، بالفتحة على القاف، يقتل بالضمة على الياء، ولو بعد حين!