نمو

TT

في الأردن حديث غريب وعجيب منذ فترة ليست بالقليلة عن نسبة النمو السكاني في البلاد، والتبعية المضرة لتلك المسألة المهمة، فهناك حديث مليء بالطرافة والتندر، عن حملة تنظيم النسل التي أطلقتها الحكومة الأردنية أخيرا وتم الإعلان عن نيتها في توزيع 600 ألف واق ذكري للرجال (بقيمة تقارب المليون والمائتي ألف دولار أمريكي) وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن حملة من هذا النوع في بلد عربي، إذ سبق أن أعلن منذ عقدين عن حملة أكبر في مصر، وكانت مدعومة بهبات الولايات المتحدة الأمريكية من ضمن برنامج المعونة المعروف. وقد كانت الحملة في مصر وقتها مثار تندر وجدال، إذ تم بيع كمية بسيطة من الواقي الذكري، الذي كان يوزع بكميات كبيرة كبالونات للأطفال! وبعيدا عن الجانب المضحك تبدو مشكلة النمو السكاني «الهائل» في أكثر من دولة عربية مختلفة، مثار قلق واستغراب كبيرين، فهي تؤثر على الكثير من فعالية خطط التنمية الموجودة، وتعيق الحصول على نتائج واضحة وقابلة للقياس منها وخصوصا في مجالات الصحة والتعليم والبنى التحتية المساندة وغيرها من المجالات الحيوية. وهذه المسألة البالغة الأهمية والشديدة التعقيد تحولت إلى عقدة عويصة، نظرا لوجود تفاوت وتباين غير بسيط في الآراء الشرعية ما بين مؤيد لفكرة ومبدأ تنظيم النسل وما بين معارض عنيف وشديد جدا لها. ولكن الحقائق تبقى تتحدث عن نفسها، فالعالم العربي وفي أكثر من موقع فيه لم يستطع استغلال وإدارة موارده البشرية بتوظيف سليم حتى تحول الإنجاب الكثير إلى نوع من الهواية وملء الفراغ، تحول بمرور الوقت إلى قنبلة شديدة الانفجار أصابت شظاياها المجتمع بأسره. والمتمعن في إعلانات الصحف وبعض إعلانات المحطات الفضائية ورفوف الصيدليات يشاهد بأم عينيه مدى الشغف بالجنس والفحولة في العالم العربي، وهذا طبعا لا بد أنه سيترجم إلى أرقام ونسب نمو عالية جدا. ولا يمكن إلقاء اللوم على العامة وحدهم، فهناك أطراف أخرى ساهمت في تفاقم المشكلة عبر مجموعة من الأسباب. فبعض الحكومات لم تقرأ جيدا علامات الخطر مبكرا وفشلت في وضع خطط توعوية استباقية، وبالتالي كان التعامل مع الأحداث بأسلوب مليء بردود الفعل القصيرة الأجل، لم يسفر عنه سوى التخبط وقلة التدبير. وشاركت في الأزمة مجموعة آراء فقهية كانت «تحذر» و«تنهى» عن التعرض لفكرة التخطيط الأسرى كمنهجية وثقافة وفكر، من دون أي اعتماد أو تقدير لمبدأ فقه المقاصد وغاياته أو «فهم» الوضع بصورة حقيقية وتقديم الدعم الشرعي المطلوب برؤية شمولية يراعى فيه «جلب المنفعة» بشكل واضح على أكبر قدر ممكن من العامة. النمو السكاني إذا لم يدعم بعناصر تنموية تؤمن العيش بكرامة والتعليم بفعالية والطب بجدارة، تحول إلى كابوس مخيف ومؤلم ومؤذ ستدفع ثمنه أجيال قادمة بفائدة مركبة. المجتمعات العربية حتى هذه اللحظة في أغلبها تتعامل مع هذه المشكلة بإنكار شديد وبسخرية أشد ولم تنفعها «الزيادات» لتكون قوى إنتاجية أو صناعية أو زراعية مؤثرة، ولكنها تحولت إلى «أسواق» متنامية يسيل لها لعاب الشركات العالمية الكبرى لأنها مجرد «إحصائيات» جديدة تضاف لخانات القوائم التسويقية. النمو السكاني إذا لم يتم التعامل معه بخطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل يكون الجانب الاقتصادي فيها بنفس حيوية الجانب الصحي والتشريعي، سيكون مدخلا للجريمة والخلل الاجتماعي بشكل كبير، والمنطقة فيها ما فيها من المشاكل، ومؤكد أنها ليست بحاجة للمزيد.

[email protected]