بيروت ـ دمشق عبر باريس!

TT

قبل نحو عشرة أيام التقيت الرئيس ميشال سليمان. كان متفائلا رغم المناخات السيئة قبيل تشكيل الحكومة. لكنه كان يتطلع إلى الانفراجات والقرارات والسياسات البعيدة المدى: الحوار الوطني حول إقامة الدولة، والعلاقة اللبنانية ـ السورية، والمصالحة الحقيقية بين اللبنانيين. وكان يعطي اللقاء بالرئيس السوري بشار الأسد في فرنسا بُعدا رمزيا إضافيا. فرنسا هي الدولة الانتدابية التي أعلنت عام 1920 قيام لبنان الكبير. وهي التي استقل عنها لبنان عام 1943. وهي التي حافظت بعد الاستقلال على علاقة خاصة جدا مع دولة صغيرة تصدر فيها 4 صحف يومية بالفرنسية وتصدر فيها مجلة الأفلام الأسبوعية بالفرنسية وفيها أهم جامعة فرنسية خارج كندا وكيبك.

رفضت سورية قيام لبنان كما رفضت استقلاله. واعتبرت أن أربعة أقضية سلخت منها كما سلخ منها لواء الاسكندرون الذي ضُم إلى تركيا. ولم تكن هذه رؤية حزب البعث الذي جاء إلى السلطة عام 1963، بل رؤية السواد الأعظم من السوريين. ومنذ استقلال البلدين قامت حالة خصومة غير معلنة بين العاصمتين، كانت تترجم أحيانا بإغلاق الحدود أو بـ«القطيعة» مع لبنان، الذي ليس أمامه من الناحية الأخرى سوى البحر وإسرائيل. وساند جانب من اللبنانيين دمشق.

بدل أن تتطور العلاقة الطبيعية في اتجاهها التلقائي تدهورت في الاتجاهين. وانقسم لبنان حولها انقساما عميقا. ومن الصدف التاريخية أن يعلن الرئيس السوري من باريس العزم على إقامة العلاقات الدبلوماسية مع بيروت وتبادل السفراء، وإن يكن ترك مسألة ترسيم الحدود غامضة أو معلقة. وأمام البلدين مسافة طويلة في طريق العودة إلى العلاقة الطبيعية. وتغضب سورية من استخدام مصطلح «العلاقات الندية» بين البلدين، لكن نصف القرن الماضي أثبت أيضا أن العلاقات الفوقية لا تؤدي إلى شيء وأن العلاقة التي يديرها ضابط مخابرات معرضة للتفجر والخراب والانهيار، وهذا أمر ليس في صالح سورية ولا يحتمله لبنان.

ليست العلاقة الدبلوماسية في حدّ ذاتها سوى خطوة رمزية كان يمكن الاستغناء عنها في حال وجود علاقة طبيعية. ولكن زاد في رمزيتها إعلانها من فرنسا وفي حضور الرئيس الفرنسي كشاهد على العقد. أو على العهد. وعندما ينظر المرء إلى العلاقات العربية في كل مكان، يتساءل دائما، مع المثل الفرنسي، لماذا البحث عن الظهيرة الساعة الثانية بعد الظهر. كم كانت المسافة أقرب بين بيروت ودمشق.