الكفيل والمكفول!

TT

لا أعتقد أن حديث وزارة العمل السعودية الأحد الماضي عن فرض عقوبات مشددة على السعوديين الذين يعاملون مكفوليهم معاملة غير إنسانية يمكن أن يحل مشكلات العمالة في البلاد، فالمشكلة تكمن في نظام الكفالة ذاته الذي تجاوزه الزمن، وارتبط بالكثير من المشاعر السلبية في دواخل الكثيرين، ولا يكفي أن تتحدث وزارة العمل عن إنشاء إدارة لرعاية العمالة الوافدة لتحسين صورة نظام الكفالة المعمول به حاليا في الوقت الذي توقع فيه الكثيرون أن تتبنى وزارة العمل نظاما أكثر قبولا لكل الأطراف، وقابلا لتنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل دونما حاجة إلى التلويح بالعقوبات.. فالنظام الحالي ـ كما سبق أن كتبت ـ أصبح وجع رأس لكل الاطراف: العامل، والكفيل، ووزارة العمل، وجمعية حقوق الإنسان، وحتى المحاكم الشرعية، فعلى ذمة رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أن القضايا العمالية تشكل ما نسبته 12 في المائة من مجموع القضايا التي ترد إلى الجمعية.

إن أية إصلاحات في نظام الكفالة الحالي لا تكفي لتحسين سمعته، وسينظر إليها الكثيرون على أنها مجرد عمليات تجميل لا أكثر، وكم تمنيت أن تجد وزارة العمل في واقعية الدراسة التي تقدمت بها الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أفكارا أساسية لبناء نظام عمالي أكثر إنصافا للعامل ورب العمل، ويكون من شأنه أيضا إزالة ما علق بنظام الكفالة الحالي من أفكار ـ صحيحة أو مغلوطة ـ في أذهان الكثيرين، إذ غدت كلمة «الكفيل» وحدها جالبة للكثير من التداعيات والادعاءات التي قد تختلط فيها الحقيقة بالخيال لتشكل صورة مضطربة عن وضع العمالة الوافدة في البلاد.

الكثير من الدول تعيش ظروفا تنموية مشابهة للحالة التي نعيشها، ولديها الكثير من العمالة الوافدة التي تعمل في ظل أنظمة تتحدد فيها العلاقات بين هذه العمالة وجهات العمل، وهذه الأنظمة لم تثر موجة من الانتقادات بالقدر الذي أثاره ويثيره نظام الكفالة المطبق لدينا، فإن لم نستطع أن نستحدث نظاما ذاتيا يكفل الوصول إلى نتائج أمثل فإن علينا الاستفادة من تطبيقات الآخرين، وتجاوز مصطلحي «الكفيل» و«المكفول»، وما يوحيان به من دلالات. فنحن في حاجة إلى أن نترك أجمل الأثر في نفوس هذه الملايين حينما تغادر بلادنا ذات يوم بعد انتهاء فترة عملها التي قد تمتد إلى سنوات، وهذا يتطلب أن لا ندع مصير سمعتنا، وسمعة مجتمعنا في يد كفيل فرد قد يخطئ التعامل فيخدش الصورة الجميلة التي نستحقها في عيون العالم.

[email protected]