إيران ليست قادرة على غلق مضيق هرمز

TT

تواصل إيران التهديد بغلق مضيق هرمز إذا ما تعرضت منشآتها النووية لضربة من أي طرف كان، إسرائيل.. أميركا.. الغرب..، وأن تشمل بالقصف عموم أهداف المنطقة. كما تصر على رفض مجرد التفاوض حول تخصيب اليورانيوم. بانية تصوراتها واستراتيجيتها على قاعدة مبالغ فيها لموقعها المؤثر على إمدادات النفط الخليجية. معتقدة بغرور أنها ممسكة بعنق العالم. فإما الرضوخ لها وتجسيد فكرة الاستسلام أمام مشروع قنبلتها الذرية، وإما خلق أزمة طاقة لا سابق لها!

وعلى الطرف المقابل يظهر القادة العسكريون الغربيون انضباطاً في وصفهم للحال، فمنهم من يستبعد قدرة إيران على غلق المضيق، ومنهم من يدعو المنطقة الى عدم الانجرار وراء قراءات خاطئة. وكلاهما يصب في رؤية واحدة يراد بها توجيه رسالة تطمين للعالم ودول غرب الخليج العربي، وتحذير إيران من جانب آخر.

ترى ما هي قدرات إيران على غلق المضيق؟ وهل يمكن أن تقدم على ذلك؟

من وجهة النظر الأولية تتمكن إيران من غلق المضيق بوجه ملاحة دول الخليج العربية لفترة معينة، بسبب تفاوت بين جانب وآخر من توازنات القوى وعدم وجود قدرة ردع استراتيجي مقابل. وفضلاً عن تفوق القوات الجوية الخليجية تفوقاً ساحقاً على نظيرتها الإيرانية، فإن مغامرة إعاقة إمدادات النفط سيكون المستهدف بها العالم كله عموما والغرب تحديدا، بكل ما يترتب من تداعيات خطيرة تقود الى استخدام واسع للقوة التقليدية يفوق بحسم القدرات القتالية الإيرانية وأوضاعها الهشة.

في مجال القوة، تمتلك إيران زوارق فرنسية مزودة بصواريخ هاربون أميركية وغيرها من الصواريخ الصينية والمصنعة محليا، كما لديها فرقاطات وسفن حربية تشكل جميعها أهدافا (هشة) للتكنولوجيا الغربية المتطورة القادرة على تدميرها عن بعد، بضربات صاروخية سطح ـ سطح، أو بضربات جوية من دون حاجة للمباغتة، تكون نتائجها أسوأ كثيرا مما حصل للأسطول الأميركي في بيرل هاربر خلال الحرب العالمية الثانية.

إن أقصى ما يمكن أن تفكر فيه القيادة الإيرانية أن تقوم بخليط من العمليات المركبة تبث خلالها كماً من الألغام البحرية لإعاقة الملاحة في الخليج، واستخدام عناصر من قوات الحرس الثوري لمهاجمة القطع البحرية للطرف المقابل. كما لديها ترسانة أقل كثيرا مما يبالغ فيها، من صواريخ أرض ـ أرض متوسطة وبعيدة المدى، تتكون من صواريخ عمياء تنقصها الدقة وغير قابلة للتوجيه إلكترونيا، وهي قدرة تكتسب بعداً إرهابيا ضد الأهداف المدنية، لأنها لن تجد حشدا بريا عسكرياً. وإذا كانت إسرائيل قادرة على امتصاص تأثير أربعين صاروخاً خلال حرب الخليج الثانية، فإن حال منطقة واسعة تقع على رقعة ملايين الكيلومترات المربعة قد لا يكون أكثر مما حصل لإسرائيل. في مرحلة الاستعداد لحرب الخليج الثانية (1991) كانت تقديرات صدام تأخذ في الحسبان تحرك الأمة العربية لنصرته، إذا ما تعرض العراق لحرب مقابلة واسعة، وليته يستطيع أن يتكلم الآن عما إذا كان يؤمن بذلك فعلا وأحبط، أم إنه أراد تخويف الخصم وتقوية معنويات قادته والشعب آنذاك؟ يا للسذاجة في حسابات الأمس واليوم، العراقية والإيرانية. وما أشبه اليوم بالبارحة، فالتصورات بقدرة إيران على تثوير براكين خامدة في دول الخليج العربية وفي عموم المنطقة من وسط آسيا الهش الى شرق البحر الأبيض المتوسط، ليست إلا أوهاماً يمكن أن تتحق نسبة ضئيلة جداً منها عندما يكون للنفوذ الإيراني وجود في مرحلة ما قبل الحرب، وليس في ظروف حرب يريد كل أن يسلم بنفسه من هول الآلة العسكرية الضخمة التي ستشترك فيها، إن وقعت. فالمصالح المؤقتة تنتفي مع أي تقاطع سلبي معها. خصوصا عندما يكون الإصرار على التحدي من أجل هدف يرفضه العالم أجمع. فلا أحد في العالم (لا يرفض) امتلاك إيران سلاحاً نووياً، إلا الذين يطمحون بانتشار فوضوى لأسلحة الدمار، وهؤلاء هم الإرهابيون وحدهم الذين يسعون الى تدمير الحضارة وإعادة العالم الى العصور الغابرة.

إن حربا يتسبب فيها طرف لن تكسبه تعاطفاً. والإصرار الإيراني على تخصيب اليورانيوم، من دون رقابة دولية صارمة، يرجح الفكر القائل بأن تصنيع سلاح نووي، لا يتعدى اتخاذ قرار سياسي، وهو قرار تدل كل المعطيات على اتخاذه، وهنالك إدراك عام لخطورة النيات الإيرانية بهذا الاتجاه. نيات بدأت منذ التفجير النووي الهندي قبل أكثر من ثلاثة عقود، واقتربت وفقا لكل المؤشرات من مراحلها النهائية.

لعل ما قاله القادة العسكريون الأميركيون من أن إيران لا يمكنها غلق المضيق، ولا يسمح لها بذلك، يعبر عن حسابات أميركية لكيفية إدارة صراع من هذا الوزن في زمن أزمة الطاقة. وطبقا لما ينشر، وتأسيسا على قراءات استخبارية وعسكرية، ومما يتسرب عن احتمالات التدخل الاميركي الإسرائيلي، فإن افتراضات نشوب صراع مسلح واسع باتت أكثر من احتمالات وقوع ضربة محدودة أو عدم وقوعها. لأن امتلاك إيران سلاحا نوويا يعد (أسوأ) الاحتمالات، وبسبب الإصرار الإيراني المفرط.

يبدو ان الحرب ليست وشيكة، وإن كان السلوك الإيراني يدفع اليها، ويفترض أن يوجه العالم رسالة حاسمة الى إيران يطالبها بتفكيك برنامجها النووي، والقبول بتفتيش دولي ميداني دقيق وحر. وهو أمر ترفضه إيران حتى الآن، وتحاول اللعب من أجل كسب الوقت لإنجاز المهمة. وفي حال كهذه يتحدد نطاق الحرب برد الفعل الإيراني على تدمير برامجها النووية، فإن تصرفت بقبول الأمر الواقع انتفت أسباب الحرب. وإن ردت طبقا لتهديداتها الحالية، فيمكن توقع قيام طائرات الشبح والصواريخ الجوالة بمهاجمة كافة المواقع النووية الإيرانية وتدميرها في وقت واحد. يتبعها رد إيراني بضرب عدة أهداف إسرائيلية وأميركية وخليجية. وقيام قوات الحرس الثوري بتعزيز وجودها في مضيق هرمز والجزر الإماراتية المحتلة، ونثر عدد كبير من الألغام في مياه الخليج العربي. مما يعني تطويرا خطيرا للحرب. وفي ضوء تطور خطر كهذا يمكن قراءة الاحتمالات وسير الحرب طبقا لما يأتي:

1ـ تتمكن إيران من (إعاقة) الملاحة المدنية في الخليج لعدة أسابيع فقط، من خلال عمليات التلغيم البحري وهجمات بصواريخ سطح ـ سطح البحرية وغيرها من الوسائل. يترتب على ذلك قيام القوات المحمولة الاميركية وقوات المارينز (بحدود فرقتين) باحتلال الضفة الشرقية للمضيق، بعد قصف كثيف، والسيطرة على الجزر المهمة. وعملية كهذه تقود الى شن غارات جوية وضربات صاروخية مكثفة، على مفاصل الاتصالات ومراكز القيادة والسيطرة، ومحطات الطاقة والإنتاج الحربي وقواعد الصواريخ، وضرب عقد المواصلات الاستراتيجية لعزل المناطق الإيرانية عن بعضها.

2ـ إثارة روح التمرد في المناطق الإيرانية، الموجودة أصلا، في الاحواز حيث العرب المتذمرون، وسيستان وبلوجستان المتمردتان حاليا، وكردستان، وأذربيجان، والتركمان الصحراويون شمال طهران...الخ. وتحت الضغط الجوي والصاروخي، تصبح احتمالات تفكك إيران أكبر بكثير من تلك التي نشأت من دون دعم خارجي في مرحلة سقوط نظام الشاه. وليس متوقعا حرص الغرب ودول المنطقة على وحدة إيران، بل ستطبق فلسفة الشرق الأوسط الجديد هناك.

3ـ ما قيل عن أن إيران ستطلق في الدقيقة الاولى للحرب أحد عشر ألف صاروخ أرض ـ أرض ليس إلا حسابات خيالية ساذجة جدا، فمثل هذه القوة لا توجد لدى العالم أجمع. وإن التخمينات التي تقول إن ضرب إيران سيحول المنطقة الى كرة من اللهب لا أساس لها.

4ـ لن تنجح إيران في تحريك أحد في المنطقة، لأنه سيكون يوما يتخلى فيه الجميع عنها، وواحدة من نقاط ضعفها أنها بلا حليف. على عكس الدول العربية.

حرب إلكترونية، إن وقعت ستكون عن بعد، لا دور فيها لجيوش تقليدية جرارة، على إيران تفادي جر العالم اليها، من خلال التخلي عن برامجها النووية غير السلمية دفعة واحدة، وأن تعطي برهاناً قاطعاً على حسن النيات، وليس اتباع سياسة تحدي العالم، وإظهار قوة دعائية يعرف العالم حقيقتها وقصر مداها، فأمن العالم أكثر أهمية من أي شيء آخر، والانتشار النووي كابوس ما بعده كابوس، في ظل إرهاب يحاول الانفلات، فكيف إذا حصل التزاوج بينهما؟

فهل يخطئ القادة الإيرانيون الحساب تأسيساً على تقديرات خاطئة؟

إنهم يدفعون العالم الى مراجعة صحيحة للتاريخ.

* خبير في الشؤون الأمنية والعسكرية